الجمعة، 30 ديسمبر 2016

الحرب الأهلية ونحن



الحرب الأهلية ونحن
تعليقاً على مقالة للصديق محمد فرحات
#استعادات
نحن جيل الحرب اللبنانية دفعنا أثماناً تتفاوت بين فردٍ وآخر.
منا مَن حرمته الحرب من طفولته.. لكنه تدارك المسار وعاد إلى حيث يجب أن يكون (أو يظن ذلك)
ومنا من استدرجته الحرب إلى مسارات حياتية أخرى، وأصبح من المتعذر عليه أن يتدارك مساره.
ومنا أيضاً من دفع أثماناً أكبر من ذلك: من جسده أو من أملاكه أو من حياة أعزاءَ عليه أو حياته هو..
 ما يحز في النفس أنها كانت أثماناً عبثية: فمن كان مستعداً للتضحية من أجل واقع سياسي أفضل سيكتشف لاحقاً كم كان مغرراً به، أو كم أن الأمر كان متداخلاً ومعقداً بشكل لا يتناسب مع فهمنا السابق للأمور..
 من كان يظن يوماً أنه سيغيّر العالم انطلاقاً من بيروت.. سيكتشف لاحقاً كم أن بيروت هذه هي صنيعة كل العالم.
 حين أقرأ كتاباتك أشعر أني على وشك مغادرة الصمت بعد ما يقارب الأربعين عاماً.. إلى كلامٍ كنت أظن أنه غير جدير بأن يقال.
 أظن نفسي من الذين تداركوا الأمر بعد حين من تلك الحرب.. فعدت إلى الدراسة الجامعية في عمر الثلاثين..(بدلاً من الثمانية عشر)، ثم بنيت حياتي اللاحقة بناء على ذلك بعد حصولي على الإجازة الجامعيّة.
لقد كان الأمر استثنائياً.
ماذا كان يمكن أن يحصل لو لم أفعل ذلك؟ هو مسار مختلف لا أعرفه.
 30/12/2014

أفلاطون، لماذا الجمهورية؛ محمد الحجيري.




أفلاطون.. لماذا الجمهورية؟؟
#استعادات
سؤال يراودني منذ زمن وأكتمه خوفاً من اتهامي بالسذاجة.
 ربما كان كتاب أفلاطون، "الجمهورية" أشهر كتاب في تاريخ الفلسفة. وقلما يوجد أحد لم يسمع بهذا الكتاب أو يعرف قليلاً أو كثيراً عنه.
 يمكن الاستنتاج بأن الهمّ الأساسي عند أفلاطون في حياته الفلسفية كان همّاً سياسياً.. في فترة ثبت فيها فساد أنظمة الحكم، التي كان آخرها حكم الطغاة، ثم الحكم الديموقراطي الذي قام بإعدام أستاذه سقراط.
 وإذا كان الحكم الديموقراطي قد أعدم أستاذه الفيلسوف، فإن الحل المقترَح في "الجمهورية"، سيكون باستلام الفلاسفة أنفسهم الحكم!
 وطريقة الإصلاح التي يقترحها أفلاطون من خلال التربية معروفة: مسؤولية الدولة عن تربية الأجيال وتعليمها، ثم اختيار النخبة وإخضاعها لمسارٍ تعليمي خاص، وصولاً إلى سن الخمسين.. حيث سينقسم المجتمع إلى طبقات ثلاث: المنتجون والجيش والحكام الفلاسفة.
 لكن أفلاطون نفسه يعدل عن هذه الطريق ليقترح بديلاً عنها إصلاحاً ينطلق من إصلاح الدستور والقوانين كمدخل لإقامة الجمهورية المنشودة.
 وقد أوضح نظريته هذه من خلال كتاب "القوانين"، آخر كتب أفلاطون وأهمها .. أليس آخر آراء الفيلسوف ينبغي أن تكون الأنضج والمعبرة عن خلاصة تجربته وتأملاته؟؟
الملفت للانتباه هو أن الاهتمام الأول في العالم بأفلاطون هو من خلال كتاب الجمهورية.
منطق الأمور يقول بإعطاء الأهميّة الأولى لآراء أفلاطون كما وردت في كتاب "القوانين"..
لماذا لم يحصل ذلك؟
 لماذا يكون الاهتمام الأول بـ "الجمهورية" ونكاد لا نرى من يهتم بكتاب "القوانين"؟؟؟

الخميس، 29 ديسمبر 2016

بين الموقف الروسي والموقف الإيراني: آفاق المرحلة المقبلة.



بين الموقف الروسي والموقف الإيراني: آفاق المرحلة المقبلة.
وجهة نظر.
لقد تناولت بعض وسائل الإعلام موضوع "تخبط العلاقة" بين روسيا وإيران، متسائلة عن آفاق العلاقة بين الدولتين في المرحلة المقبلة في ما يتعلق بـ"الساحة" السورية. فإلى أي حد يمكن اعتبار مثل هذه الأحاديث معبرة عن واقع العلاقة بين الدولتين؟
 أظن أنه من الصعب الحكم الآن على ذلك بسبب تعقد الوضع وتعدد المشاريع والمصالح واللاعبين على الساحة السورية، بخاصةٍ أننا في انتظار ما سيرسو عليه موقف الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية. لكن يمكن الحديث عن بعض المعطيات التي يمكن لها أن تضيء إلى حدٍ ما على احتمالات المستقبل.
 أولاً، إن ما يجمع الروس والإيرانيين هو علاقة تحالفية دعماً للنظام في سوريا في مواجهة قوى المعارضة.
 ثانياً، أن هذه العلاقة قد يحرص عليها الطرفان، إضافة إلى وجود مصالح اقتصادية مشتركة بين الدولتين.
لكن ما يريده الروس من سوريا غير ما يريده الإيرانيون.
 الروس يريدون مصالحهم في سوريا، والتي كانت متحققة بنسبةٍ كبيرة مع النظام السوري الحالي. وهي متحققة الآن بنسبةٍ أكبر بكثير. بل هم اليوم من يقرر في سوريا ويعلن ما يريد نيابةً عن النظام، ولا أحد يستطيع الاعتراض على ذلك، كون استمرار النظام إلى اليوم مدين إلى المساعدات الروسية، بل إلى دخول روسيا الحرب مباشرة في سوريا.
 والذي كان يقف في مواجهة ذلك هي المعارضة السورية، ربما بسبب دعم الروس للنظام، وربما لأسبابٍ إضافية أخرى، منها طبيعة المصادر التي كانت المعارضة تحصل منها على المساعدات.
 بعد معركة حلب، تغير الموقف. فهو من ناحية أدى إلى تحقيق نصرٍ كبير لصالح النظام. لكنه من ناحية ثانية، وبعد الحديث عن معارضة الروس لاستمرار المعركة باتاجاه إدلب، وبعد الانفتاح الروسي الكبير تجاه العديد من قوى المعارضة، بما فيها الكثير من الفصائل الإسلامية، باستثناء جبهة فتح الشام وداعش، وبعد السعي الروسي لإحياء مسار التسوية السياسية بين الأفرقاء المتحاربة انطلاقاً من قرار مجلس الأمن رقم 2254، والذي يشير بشكل واضح إلى مرجعية بيان جنيف واحد عام 2012، والذي يشير إلى حكومة انتقالية وتعديلات دستورية، ثم انتخابات تشريعية يشترك فيها سوريو الخارج أيضاً وبإشراف من هيئات دولية..
 إن هذا التوجه الروسي يبدو معتدلاً جداً بعد ما حققه الروس على الأرض على المستوى العسكري.. وبالتالي قد يجعل المعارضة السورية تغيّر نظرتها إلى الدور الروسي الذي كان بإمكانه أن يفرض ما هو أكثر تشدداً بكثير في موضوع التسوية السياسية.
 وهذا يعني أن بإمكان الروس ضمان مصالحهم مهما كانت طبيعة التسوية وأحجام القوى المتخاصمة في الداخل، وتجعل جميع الأفرقاء بحاجة إلى هذا الدور، وعدم قدرة أيٍ منهم على الاعتراض عليه. أيّ أن بإمكان الروس المحافظة على مصالحهم بصرف النظر عن التركيبة الحاكمة في سوريا.
وأظن أن هذه نقطة الخلاف الأساسية بين وضع الروس ووضع الإيرانيين في سوريا.
فالإيرانيون على العكس من ذلك.
 أولاً، لأن الإيرانيين يحاولون وضع اليد بالكامل على سوريا، لذلك فهم يصرون على استكمال المعركة العسكرية في إدلب وبقية المناطق.
 وثانياً، لأن المصلحة الإيرانية لا يمكن أن تكون مضمونةً إلا من خلال الأسد بالذات، وهذه ليست حال الروس.
 وبالتالي فإن التسوية التي تناسب الروس، والذين يجدون مصلحةً أكبر لهم من خلال إشراك المعارضة بشكل وازن، ودون استبعاد أي طرف في المعادلة السورية (باستثناء النصرة وداعش)، وهذا ما يجعل الوضع المستقبلي في سوريا أكثر انفتاحاً على احتمالات الاستقرار الطويلة، وبالتالي ضمان مصالحهم على المدى البعيد. نجد أن تسويةً كهذه لا تناسب الإيرانيين.
 ما يناسب الإيرانيين هو تحقيق الغلبة، وفرض تسوية سياسية تعكس هذه الغلبة، وهي بالضرورة ذات بعد طائفي أقلّوي، رغم كل الحديث عن الممانعة والتحرير، وبالتالي ستكون تسوية مفتوحة على احتمالات اضطرابات مقبلة وحروبٍ جديدة.
 إذا صحت هذه الافتراضات، فيمكن القول بأن مرحلة التقاطع بين الاستراتيجية الروسية وتلك الخاصة بإيران قد شارفت على النهاية. وهي المرحلة التي كان يسعى فيها الطرفان إلى الحفاظ على النظام، وتحقيق نصرٍ عسكري على قوى المعارضة.
 ويبدأ الافتراق مع الاكتفاء الروسي بذلك من أجل فرض تسوية سياسية يشارك فيها الجميع، بينما سيسعى الإيرانيون إلى متابعة المعركة (التي ستكون مستحيلة دون الدعم الروسي، فكيف في حال معارضة الروس لذلك؟)، كما سيسعى الإيرانيون إلى فرض تسوية سياسية تهمش قوى المعارضة للنظام أكثر من السابق.
 طبعاً في هذه المقاربة نوع من الاختزال، بسبب وجود لاعبين آخرين، أهمهم الأتراك، والذين يبدو أن ما يجمعهم بالروس أكثر بكثير مما يجمع الإيرانيين بهم (أي بالروس). إضافة إلى الدور الأميركي الذي لا يمكن لنا أن نتنبأ به بشكل معقول إلا بعد استلام الإدارة الأميركية الجديدة مقاليد الحكم في الدولة العظمى الأولى في العالم.
(محمد الحجيري)
29/12/2016

حوار في الميتافيزيقا (1)؛ م.ح.




#مد16 مشاركة في حوار
على صفحة أحد الأصدقاء، وتعليقاً على منشور حول الموضوع الإيماني، حصل نقاش تضمن الكثير من التعليقات والآراء المتباينة، اتخذ بعضها الطابع السجالي.
 شاركت بالتعليق الوارد أدناه، وأنشره على صفحتي للحفظ وكنوعٍ ربما من نرجسية الذاكرة، مع الإشارة بأن أحد المشاركين في النقاش قد قام بتفنيد بعض ما جاء في هذا التعليق، ولا أدري هل هو محق في كل ما قاله أم في البعض منه فقط..
.. أظن بأن الكثير من الموضوعات والمفاهيم (الإيمانية) قد تم التوصل إليها نتيجة الحاجة النفسية لذلك. والوعي البشري القلق، افترض حلولاً تجلب له السكينة، ثم حاول بعقله إثبات حقيقتها:
فانوجاد الإنسان في مواجهة حتمية الموت، جعله يفترض حياةً بعد الموت. (وللتوضيح، أنا لا أنفي وجود حياةٍ بعد الموت، ولا أؤكد ذلك، وربما لم يكن ذلك من أولوياتي في البحث. فأنا أعيش كما يجب أن أعيش، أو أحاول ذلك، ككائن أخلاقي لا يحق له الإضرار باحد.. وبعد ذلك ليكن ما يكون: وجود حياة ثانية أم عدم وجودها..).
والتعرض للظلم، جعلنا نفترض عدالةً بعد الموت. (وأيضاً أنا لا أنفي ولا أؤكد).
وكل ما نعجز عن تحقيقه نفترض نيله في حياة ثانية.
وبدايةً، هذا الإنسان العاقل، ربما كان الوحيد الذي طرح سؤالاً عن أصل الكون ومن أين جاء؟
افتراض وجود خالق لهذا الكون يريح، معرفياً، وكونه يمكن أن يكون تفسيراً لكل الافتراضات السابقة.
لكن السؤال العقلي، بعيداً عن الإيمان المسبق، هل هناك خالق؟
طبعاً هناك احتمالان: إما أن يكون هناك خالق. وإما ألا يكون هناك خالق.
وأظن أن كلاً من الاحتمالين، سيواجه تحديات منطقية ومترتبات لا يمكن للعقل الإجابة عنها. أو هو يستطيع الدفاع عنها بحجج متساوية، وهذا ما قال به كانط في كتابه "نقد العقل المحض" والذي يعتبر فيه بأن العقل ليس الأداة الصالحة للبحث في هذه المسائل.
أما في حال وجود علة أولى في هذا الكون، فأظن بأن الإجابة الأكثر تماسكاً حتى اليوم هي الإجابة التي قدّمها أرسطو. والعلة الأولى عند أرسطو هي علة غير خالقة: فلا شيء من لا شيء. ثم لأن الخلق من عدم تفترض تغيراً في العلة الأولى، على الأقل تغير الإرادة. فلا تعود علة أولى، ثم يجب أن يكون الكامل غير متغير ولا تتغير معرفته بتغير العالم الذي يسوده التحول الدائم.
السؤال هو: لماذا طرح الإنسان هذا السؤال؟ أظن لأن ذلك يشكل حاجة نفسية له. وبدايةً هي حاجة معرفية مرتبطة بطبيعة الإنسان المتسائل.
أما الإجابة المستوحاة من باسكال المعتمدة على قانون الاحتمالات، فلا أظن أن لها علاقة بالإيمان الحقيقي. أن أؤمن لأن ليس في ذلك خسارة، أو لأن الخسارة ستكون أقل من الخسارة في حال ثبت العكس: أي أن الخسارة في حالة الإيمان بوجود خالق، ثم تبيّن عدم صحة هذا الاعتقاد، ستكون أقل من الخسارة في حالة عدم الإيمان بوجود خالق ثم التبيّن بأن الخالق موجود.
أولاً، أظن أن هذا إيمانٌ متهافت.
ثانياً، حتى لو كان شخص غير مؤمنٍ، ثم تبيّن وجود خالق. فلِمَ تكون هناك مشكلة؟؟
هذا يذكّرني بتساؤلٍ لأمين معلوف يقول فيه: ألله الذي خلقني ضعيفاً، هل سيحاسبني على ضعفي في يومٍ من الأيام؟؟
ولنفترض بوجود إله، ولم أتمكن بعقلي من التوصل إلى ذلك. فهل سيحاسبني الله على محدودية قدرتي العقلية التي عجزت عن التوصل إلى ذلك؟
في كل الأحوال، أظن بأن الإنسان الإنسان، لن يتغير سلوكه مهما كانت الاحتمالات. (إلا في موضوع الطقوس والعبادات، والتي أعتبرها غير أساسية في هذا السياق).
الإيمان يجلب الراحة. وهذا جيد.
والإيمان قد يكون المصدر الأساسي للأخلاق عند الكثيرين. وهذا أيضاً جيد. ونجد أفلاطون يدعو إلى إقناع الناس بوجود خالق وحساب بعد الموت كنوع من التربية الأخلاقية لعموم الناس.
لكن هذا لا يوازي أيّ أهمية على مستوى الأدلة.
هذه ستبقى أحجية على مستوى العقل. وأظن أن استخدام العقل في هذا المضمار، هو نوع من الآلية الدفاعية عن إيمان سبق توصل العقل إليه. وقد يسميه البعض بالعقل التبريري وليس العقل المكتشف.
أرى أن هذا الكوكب يتسع للجميع. ولكل وجهة نظره التي يرى العالم من خلالها. ما يجمع الناس هو اشتراكهم في الإنسانية. ومن طبيعة الأمور أن يختلف الناس في قناعاتهم. لكن المرض كل المرض، هو محاولة إلغاء الآخرين. حتى لو كنت متأكداً من فكرتي، فهذا لا يبرر لي إلغاء "المخطئين".

م.ح.
28/12/2016 

حوار في الميتافيزيقا (2)؛ م.ح.



16 ساعة
#مد16 مشاركة في حوار..(2)
زميلنا العزيز ..:
 معك حق في القول بأن تعليقي لم يكن مناقشةً للمنشور (...) . وذلك يعود ربما لموقف خاص بي حول فهمي للحوار، هو أقرب إلى التعارف منه إلى الإقناع أو الاقتناع: أطلع على الرأي الآخر وأبدي رأياً.
 وأنا أبديت رأياً، هو ليس لي، لكني أتبناه: وهو موقف كانط القائل بأن العقل ليس الأداة الصالحة للبحث في الميتافيزيقا.
ولو اعتبرتُ الحجة (في المنشور) قاطعةً، لكان لا معنى لرأيي المذكور. لكن ما أقدره لدى  صديقنا هو احترامه لحق الاختلاف، وهذا ما لا نجده كثيراً عند أصحاب المعتقدات، أكانت دينية أم سياسية أم أخلاقية..
 ولو كان لي أن أبدي رأياً سريعاً في الموضوع، لقلت بأن الحديث عن الحاجة في العبارات الواردة في المنشور لا تحمل نفس المعنى. (ملاحظة: ورد في المنشور مدار النقاش بأن الحاجة إلى الطعام والشراب تثبت وجودَهما، وكذلك الحاجة إلى العبادة تثبت وجود المعبود..)
 فالحاجة إلى الطعام والشراب هي حاجة بيولوجية، تعني أن استمرار الحياة ما كان ممكناً لولاهما. يعني أنهما ضروريان للحياة ولا يُستغنى عنهما.
 أما الحاجة إلى المعبود أو إلى العبادة، فلها معنى آخر. واستمرار الوجود غير مقترن بذلك. هي "حاجة" نفسية ومعرفية. وبظني أن ذلك ناشئ من طبيعة الإنسان المتسائلة، والعارفة التي رأت الكون فتساءلت: من أين جاء؟ واكتشفت الموت والعجز عن تحقيق العدل فافترضت حياةً وعدالةً بعد الموت. وهذا "الافتراض"، لا أقول عنه بأنه صحيح أو خاطئ، وإن كان لديّ ترجيح ما، لكن أقول بأن العقل لا يستطيع إدراكه.
 وتاريخ العبادات يرجح أن ذلك كان يتم بسبب هذه الحاجة النفسية: فمن كان يعبد مظاهر الطبيعة كان يحسب اعتقاداته صحيحة، بينما لا أحد يرى ذلك الآن. الحقيقة هي أن من طبيعة الوعي البشري أن يطرح هذه الأسئلة. لكن حقيقة الأجوبة تختلف باختلاف المعتقدين.
 (إضافة: أظن بأن القول بأن الحاجة إلى الطعام يثبت وجود الطعام، ناتج عن قياس أرسطي مضمر مفاده: لا حياة بغير وجود الطعام، والحياة موجودة، إذاً الطعام موجود. لكن هذا لا ينطبق على القضية الأخيرة. فلا نستطيع القول بأنه لا حياة بغير وجود عبادة.. مفهوم الحاجة يختلف بين القضيتين الأولى والثانية.. وهذا كان له تسمية محددة في منطق أرسطو)
أما في ما يتعلق بأرسطو، فبظني أن جوابه هو الرأي الأكثر تماسكاً من الناحية المنطقية، وهو قوله بقِدم العالم. لأن القول بحدوث العالم يطرح إشكاليات كثيرة تعرفها ويعرفها كل من له إلمام بتاريخ علم الكلام: هل الخالق يتغير حين يخلق العالم وحين يعلم الجزئيات والتغيرات فيه..؟ نظرية أرسطو كانت بمنأى عن هذه الصعوبات المنطقية واحتمال الوقوع في التناقض.
لكن هل نظرية أرسطو هي حقيقة علمية؟ بالتأكيد لا.
أصل الكون سيبقى لغزاً أمام العقل البشري. فلا هو يستغني عن طرح سؤال العلّة: من أين جاء الكون؟ ربما بسبب من عادة ذهنية كما يرى هيوم، لأنه يرى بأن كل ما يحدث ينتج عن مسببٍ سابق له..
وهو إذا افترض علّة مسببة كان أمام مشكلتين: ما علّة هذه العلّة؟ وهي ما أجاب عنها أرسطو بأنه لا يمكننا الاستمرار في الأسباب إلى ما لانهاية.. ولا أجد مبرراً مقنعاً لهذه الإجابة إلا التخلص من المأزق.
وثانياً ما هي العلة التي جعلت العلة الأولى تتبدل وتخلق العالم بعد أن لم يكن؟
في كل الأحوال، أظن بأن تاريخ الإجابات عن هذه الأسئلة هي تاريخ اهتمام الإنسان بهذه المشكلة، وتطورها مرتبط بتطور معارفه. لكن السؤال هو: لماذا يطرح الإنسان هذه الأسئلة، ويقبل عنها بعض الإجابات التي نجدها اليوم لا تستحق عناء التفنيد؟ ربما هو شعوره الملازم بالحاجة إلى ذلك، وتطورت إجاباتُه بتطور قدرته عبر العصور في الإجابة على تلك التساؤلات.
إنه الوعي الشقي الذي يخلق التفاؤل لأنه بحاجة إليه. والذي يفترض الإجابات لأنه بحاجة إلى "الحقيقة". وهذه الإجابات تعبر عن مكوّن أساسي من إنسانية الإنسان، إن لم يكن من حيث بلوغُ الحقيقة، فمن حيث انهمامُه بهذه الموضوعات.
وهي أجوبة راقية، حتى ولو كانت وهميّة، بشرط ألا تكون مدخلاً لاضطهاد الآخرين، أو سوق الناس إلى الجنة بالعصا.
أن تقتنع أنك على صواب، وبأنك وحدك الحاصل على الخلاص، فلا ضير في ذلك، شرط ألا يؤدي بك ذلك إلى ادعاء تكليف إلهي بمحاسبة الناس الآن وهنا، أو ربط حقوق المواطنين بناء على ما يعتقدون، وهو ما تجاوزه العالم الغربي (الكافر) منذ قرون، بينما ما زالت الأمور في مجتمعاتنا ودولنا على ما نعلمه جميعاً.
ما أقدّره عند المحاور، ليس أين نختلف وأين نتفق، بل أننا نتفق على أنه يحق لنا الاختلاف.

م.ح.
28/12/2016 

بين المسيحية والمانوية والإسلام؛ وجهة نظر. عن الفيسبوك.



#استعادات
بين المسيحية والمانوية والإسلام: وجهة نظر
يمكن تسجيل العديد من الملاحظات لمن يتتبع تاريخ المعتقدات الدينية في المنطقة العربية، منها:
 هذا التشابه الكبير بين ما قاله ماني وما جاء به الإسلام: الصوم والصلاة والوضوء قبل الصلاة أو التيمم كما تقول بعض المراجع، والزكاة وغيرها.
قول ماني بأن المسيح قد بشّر به. وبأنه (أي ماني) هو آخر الأنبياء.
 لكن السؤال الذي يُطرح بقوّة هنا: لماذا تعرّضت المانوية إلى الاضطهاد الكبير من طرف المسلمين، لدرجة أنه لم يبق من أثر للمانوية في موطنها الأصلي، أي بلاد ما بين النهرين، التي كانت مركز الدولة العباسية، رغم تسامح المسلمين مع الكثير من الديانات الأخرى: كالصابئة والمسيحية واليهودية وغيرها الكثير. والدليل على ذلك أن العراق ما زال حتى يومنا هذا يمور بالمعتقدات التي قلما نجدها مجتمعة في بلدٍ آخر؟
أحد الاحتمالات أن يكون هذا التشابه الكبير مع الإسلام هو ذاته السبب.
وبخاصةٍ قول ماني بأن المسيح قد بشّر به، وبأنه آخر الأنبياء.
لكن، هل قالت المسيحية حقاً بنبيٍّ بعد المسيح، وهو ما لا نجده في الأناجيل الرسمية؟
 أظن أنه نعم (أي توجد فرقة أو أكثر كانت تقول بذلك). بخاصةٍ إذا تذكرنا الفرق والانقسامات التي أصابت المسيحية، واضطهاد تلك الفرق بعضُها للبعض الآخر، مثل الديصانية والآريوسية التي تشبه الإسلام كثيراً في نظرتها للمسيح، ومثل النساطرة واليعاقبة وربما غيرها الكثير (وأظن أن هذا هو سبب اختلاف الخطاب القرآني للمسيحية، فهو تارةً يبجلها وطوراً نجده شديد القساوة في خطابه لها. فلربما كان ذلك لأنه يخاطب أكثر من فئة من المسيحية). والحال هذه فمن المرجح أن تكون بعض الفِرَق المسيحية قد تحدثت عن نبيّ بعد المسيح، وهذا ما قاله ماني، ثم هذا ما تذكره الروايات التاريخية عن تنبّؤ الراهب "بَحيرا" عن مستقبل خطير للنبي محمد، وهذا ما تذكره الروايات التاريخية أيضاً عن ورقة بين نوفل، الذي كان مثقفاً كبيراً في زمانه، ويرجَّح أن يكون من مسيحيي مكة، الذي يقول لمحمد بأنه نبي هذه الأمة..
هذه الفرضيات كنت أفكر فيها منذ سنوات، وقد ألمحت إليها في مقالةٍ منذ أكثر من سنة، وكلما تعرفت أكثر على الأفكار الدينية التي كانت سائدة في بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية كلما تعززت قناعتي بها..
 طبعاً هذا ما يمكن البوح به، فالفرضيات كثيرة، لكن هي بحاجة إلى التقصي والإثبات.



هل كان النجاشي من أتباع آريوس؛ محمد الحجيري.


هل كان النجاشي من أتباع آريوس؟
يُحكى عن هروب المسلمين الأوائل إلى الحبشة هرباً من اضطهاد قريش، لأن فيها ملكاً لا يُظلَم عنده أحدٌ.
وحين لحق بهم بعض سادة قريش يطالبون النجاشي بتسليم من التجأ إليه من المسلمين ..
 ثم حين سألهم النجاشي عن قول دينهم الجديد بالمسيح، قرأوا عليه من سورة مريم: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا
 وهي السورة التي تقول أيضاً عن المسيح:
ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ Aya-34.png مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ Aya-35.png 
 فإذا كان النجاشي قد استمر في حماية المسلمين بعد سماعه بعض آيات سورة مريم، فبالتأكيد لأن توصيف هذه الآيات للمسيح لا تتعارض مع إيمانه الديني.
 وهذا التوصيف أقرب ما يكون لما كان يقول به آريوس عن طبيعة المسيح، الذي يقول بأن الكلمة ليس بإله، بل بما أنه "مولود" من الله الآب فهو لا يشاركه طبيعته، بل تقوم بينهما علاقة "تبنٍّ. 
 فهل استمرار النجاشي في تأمين الحماية للمسلمين، يعني أنه رأى أن توصيف المسلمين للمسيح لا يتعارض مع إيمانه الديني؟
وهل هذا يعني أنه كان آريوسياً؟
هذا هو الاستنتاج المرجَّح. وربما كان هناك أكثر من نحلة  مسيحية في الحبشة، وأن ذلك كان من أسباب الاضطرابات التي يحكى أنها قد حصلت فيها في تلك الفترة.

لكن ما يهم في الموضوع أن الأفكار الآريوسية كانت معروفةً، وكان لها أتباع كثر منهم ملك الحبشة نفسه.

(محمد الحجيري)

النحلة.


من رحيق كل الزهور تصنع النحلة عسلها.
من هنا وهناك وهنالك.. ما قالت يوماً: هذه زهرة غريبة!


#مد15
يا صديقي لا تكن مثلي
 فنصبحَ كالضجر.


في الإيديولوجيا؛ محمد الحجيري.


في الإيديولوجيا #مد15
ليس المقصود هنا الدخول في تعريفات المصطلح: الإيديولوجيا أو علم الأفكار.
المؤدلج بعامةٍ هو الشخص الذي ينحاز إلى رؤية الأمور من خلال وجهة نظر منظومة معيّنة، دينيّة أو سياسية أو عقائدية بشكل عام..
 لقد كانت في الثمانينيات وما قبلها تُعتبر مِيزةً ويشعر صاحبها بالفخار والتمايز. ثم فجأةً، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية وتعثر الكثير من المشاريع الحالمة التي كان آخرُها الإسلام السياسي، أصبحت الإيديولوجيا تُهمةً، وتعرّضت لأعنف الهجمات، نذكر من تلك الهجمات ما قام به المفكر على حرب في كتاباته في مرحلة التسعينيّات، التي عادت وخفّت حدّتُها في كتاباته اللاحقة..
المؤدلج صاحب معرفة متمايزة وصاحب موقف.
 المشكلة في رأيي أن الموقف كان يطغى على المعرفة ويسطّحها، ويحوّلها إلى كلمات جوفاء لا يعرف صاحبها ماذا تعني ولا ماذا يقصد بها.
 وإذا عرف فكانت معرفته مشوّهة وخاضعةً لموقفه المسبق. والأمثلة على ذلك كثيرة وموجودة لدى كل الأطراف: من الماركسيين الذين لا يعرفون ماركس. والإسلاميين الذين لا يعرفون من الإسلام إلا أنه هو الحل وأن كل مشاكلنا بسبب الابتعاد عنه، إلى القوميين الذين لا يعرفون كثيراً عن تعقيدات المجتمعات وعن معطيات العصر السياسية والطرق الأنسب للتقريب بين هذه المجتمعات..
 كان الجميع تقريباً يعيش داخل نظرياته في أحسن الأحوال، وداخل كلمات كبيرة لا يعرف معناها غالباً، وفي كل الأحوال بعيداً عن الفهم الموضوعي للواقع، وعن فهم الفكر الذي ينتمي إليه وعن فهم الآخرين الذين يشاركونه أو ينافسونه الحيّز المجتمعي المستهدَف.
كنا نختار الانتماء قبل أن نعرف. ثم ندافع عما لا نعرفه، ونهاجم ما لا نعرفه.
 لفت انتباهي منذ أشهر تعليقٌ لأحد الزملاء الأساتذة أننا نشرح للطلاب نظرية أحد الفلاسفة بطريقة فيها الكثير من التعسّف ليكون الردُّ عليها سهلاً ومريحاً.
وبعد الاطلاع على نصّ ذلك الفيلسوف وجدت أن كلام ذلك الزميل كان محقاً إلى درجةٍ كبيرة.
مع الإيولوجيا أم ضدّها؟
باختصار، أنا لست مع أنصاف المواقف. لكن علينا أن نعرف مع ماذا وضد ماذا.
 في مرحلة المعرفة أو التعرّف على الآخر المختلف أو الخصم، يجب أن نمارس الرقابة على الذات العارفة لتعرف من موقع المتعاطف والمتفهّم، ثم بعد أن نعرف بهدوء وبموضوعيّة يمكن لنا أن نتخّذ موقفاً نقدياً ومعارضاً.
 وفي مرحلة التعرّف على الذات، يجب أن نفعل ذلك بذهنيّة نقديّة حذرة، وبانفتاح على الإفادة من كل الإيجابيات لدى الآخر المختلف. وأن نبقى مستنفِري الحس النقدي على قناعاتنا لتطويرها باستمرار. فلا تطوّر إلا باكتشاف الخطأ وتجاوزه.
 بدلاً من أن نحدّد موقعنا بدايةً، ثم نرى الأمور انطلاقاً من ذلك الموقع. علينا أن نرى الأمور باقصى ما نستطيع من الحياديّة، ثم نحدّد موقفنا بناءً عليه.
 هذا يذكّرنا بموضوعة العربة والحصان.
وبعد. هل الأفعال تشبه الأقوال؟
 أدّعي أنني أحاول.
محمد الحجيري
 29/12/2015

الجمعة، 23 ديسمبر 2016

أستاذ من العصر السوفياتي. محمد الحجيري.


أستاذ من العصر السوفياتي.

كان أستاذاً شهيراً لمادة الرياضيات، يسارياً مناضلاً، عرفته في فترة دراستي الثانوية، تعرّض للاعتقال بعد دخول القوات السورية إلى لبنان، ثم خرج من الاعتقال صلباً ملتزماً يكنّ له الجميع كل الاحترام.
 قرأت له على صفحته منذ أيام منشوراً يتحدث فيه عن "تحرير" حلب و"إسقاط المشروع الأميركي الغربي الصهيوني الخليجي التركي الذي يحوي كل الرجعية العربية."
فوجئت بعد قراءة بعض منشوراته كم تغيّرنا وكم بقي هو في مكانه كأنه ما زال في العصر السوفياتي والصراع بين الإمبريالية والاشتراكية الداعمة لقوى التحرر في العالم الثالث.
 فاجأني غياب أو ضعف البعد الإنساني في ما يكتب، وكأن العالم مجموعةٌ من الأرقام.. وهذا الاختزال الغريب للعالم: أبيض/ أسود.
 الروس والنظام السوري وإيران هم الأبيض الناصع.. وما سواهم أسود حالك ورجعية عربية مقابل النظام التقدمي المقارع للمشروع الأميركي الصهيوني.
 ولم يلحظ في تحليله الرياضي بأن الهزيمة و"تحرير" حلب ما كان ليكون لولا الصفقة الروسية التركية التي أخذت تركيا بموجبه حرية التصرف في الشرق السوري مقابل حجب الدعم عن المعارضة السورية في الشمال. وبأن تركيا ما زالت شريكاً في صناعة المستقبل السوري بالشراكة مع الروس والإيرانيين.
 إذا كانت محاربة الرجعية العربية مبررةً أيديولوجياً، فهل يمكن أن نعثر على تقدمية في المشروع الإيراني؟
وهل يمكن لنا الانحياز إلى هذا المشروع التوسعي "التقدمي" المعلَن في مواجهة "رجعيتنا"؟
 سيكون مفهوماً ومطلوباً انحيازُنا إلى حراك مجتمعي داخلي في مواجهة رجعياتنا وأنظمتنا مطالَبَةً بالإصلاح والحرّيات ومنع احتكار السلطة والثروة.
لكن هل يكون مفهوماً أن نصدق بأن الروس والإيرانيين  وغيرهم جاؤوا فقط للدفاع عن الشعوب في مواجهة رجعية الأنظمة والمشاريع الغربية الصهيونية؟؟

عن الفيس بوك.
(محمد الحجيري. 22/12/2016) 

الثلاثاء، 20 ديسمبر 2016

نقاش في الميتافيزيقا. (م.ح)



شيخنا المحترم حسن.
أولاً، إن ما يميّز الحوار معك هو احترامك للحق في الاختلاف في عصر يسود فيه التكفير وتخوين الرأي المخالف، وهذه روحية نحن جميعاً بحاجة إليها.
ثانياً، في ما يتعلق بالموضوع المطروح للنقاش، أظن بأن الكثير من الموضوعات والمفاهيم تم التوصل إليها نتيجة الحاجة النفسية لذلك. والوعي البشري القلق، افترض حلولاً تجلب له السكينة، ثم حاول بعقله إثبات حقيقتها:
فانوجاد الإنسان في مواجهة حتمية الموت، جعله يفترض حياةً بعد الموت. (وللتوضيح، أنا لا أنفي وجود حياةٍ بعد الموت، ولا أؤكد ذلك، وربما لم يكن ذلك من أولوياتي في البحث. فأنا أعيش كما يجب أن أعيش، أو أحاول ذلك، ككائن أخلاقي لا يحق له الإضرار باحد.. وبعد ذلك ليكن ما يكون: وجود حياة ثانية أم عدم وجودها..).
والتعرض للظلم، جعلنا نفترض عدالةً بعد الموت. (وأيضاً أنا لا أنفي ولا أؤكد).
وكل ما نعجز عن تحقيقه نفترض نيله في حياة ثانية.
وبدايةً، هذا الإنسان العاقل، ربما كان الوحيد الذي طرح سؤالاً عن أصل الكون ومن أين جاء؟
افتراض وجود خالق لهذا الكون يريح، معرفياً، وكونه يمكن أن يكون تفسيراً لكل الافتراضات السابقة.
لكن السؤال العقلي، بعيداً عن الإيمان المسبق، هل هناك خالق؟
طبعاً هناك احتمالان: إما أن يكون هناك خالق. وإما ألا يكون هناك خالق.
وأظن أن كلاً من الاحتمالين، سيواجه تحديات منطقية ومترتبات لا يمكن للعقل الإجابة عنها. أو هو يستطيع الدفاع عنها بحجج متساوية، وهذا ما قال به كانط في كتابه "نقد العقل المحض" والذي يعتبر فيه بأن العقل ليس الأداة الصالحة للبحث في هذه المسائل.
أما في حال وجود علة أولى في هذا الكون، فأظن بأن الإجابة الأكثر تماسكاً حتى اليوم هي الإجابة التي قدّمها أرسطو. والعلة الأولى عند أرسطو هي علة غير خالقة: فلا شيء من لا شيء. ثم لأن الخلق من عدم تفترض تغيراً في العلة الأولى، على الأقل تغير الإرادة. فلا تعود علة أولى، ثم يجب أن يكون الكامل غير متغير ولا تتغير معرفته بتغير العالم الذي يسوده التحول الدائم.
السؤال هو: لماذا طرح الإنسان هذا السؤال؟ أظن لأن ذلك يشكل حاجة نفسية له. وبدايةً هي حاجة معرفية مرتبطة بطبيعة الإنسان المتسائل.
أما الإجابة المستوحاة من باسكال المعتمدة على قانون الاحتمالات، فلا أظن أن لها علاقة بالإيمان الحقيقي. أن أؤمن لأن ليس في ذلك خسارة، أو لأن الخسارة ستكون أقل من الخسارة في حال ثبت العكس: أي في احتمال عدم الإيمان ثم يثبت أن هناك خالق.
أولاً، أظن أن هذا إيمانٌ متهافت.
ثانياً، حتى لو كان شخص غير مؤمنٍ، ثم تبيّن وجود خالق. فلم تكون هناك مشكلة؟؟
هذا يذكّرني بتساؤلٍ لأمين معلوف يقول فيه: ألله الذي خلقني ضعيفاً، هل سيحاسبني على ضعفي في يومٍ من الأيام؟؟
ولنفترض بوجود إله، ولم أتمكن بعقلي من التوصل إلى ذلك. فهل سيحاسبني الله على محدودية قدرتي العقلية التي عجزت عن التوصل إلى ذلك؟
في كل الأحوال، أظن بأن الإنسان الإنسان، لن يتغير سلوكه مهما كانت الاحتمالات. (إلا في موضوع الطقوس والعبادات، والتي أعتبرها غير أساسية في هذا السياق).
الإيمان يجلب الراحة. وهذا جيد.
والإيمان قد يكون المصدر الأساسي للأخلاق عند الكثيرين. وهذا أيضاً جيد. ونجد أفلاطون يدعو إلى إقناع الناس بوجود خالق وحساب بعد الموت كنوع من التربية الأخلاقية لعموم الناس.
لكن هذا لا يوازي أيّ أهمية على مستوى الأدلة.
هذه ستبقى أحجية على مستوى العقل. وأظن أن استخدام العقل في هذا المضمار، هو نوع من الآلية الدفاعية عن إيمان سبق توصل العقل إليه. وقد يسميه البعض بالعقل التبريري وليس العقل المكتشف.
أرى أن هذا الكوكب يتسع للجميع. ولكل وجهة نظره التي يرى العالم من خلالها. ما يجمع الناس هو اشتراكهم في الإنسانية. ومن طبيعة الأمور أن يختلف الناس في قناعاتهم. لكن المرض كل المرض، هو محاولة إلغاء الآخرين. حتى لو كنت متأكداً من فكرتي، فهذا لا يبرر لي إلغاء "المخطئين".

آسف للإطالة. تحياتي للجميع.

(م.ح)
20/12/2016

الأحد، 18 ديسمبر 2016

بضاعتُنا وقد رُدّت إلينا. محمد الحجيري.




بضاعتُنا وقد رُدَّت إلينا..

لمّا كان الكثير من كتب التراث يعتمد المبالغات، فقد أصبحنا نبحث عما كتبه بعض المستشرقين عن التاريخ الإسلامي، بحثاً عن منهجية أكثر موضوعية في النظر إلى تاريخنا، وإن كان الكثير من تلك الكتب يتضمن تجنياً أيضاً، لكن في كل الأحوال، كنا نبحث عن بعض المسكوت عنه لدى كتابنا في كتب الآخرين.
لفت انتباهي في معرِض الكتاب العربي كتاباً للمستشرق الأمريكي واشنغتون إرفنغ "حياة سيرة نبيّ الإسلام". ترجمة وتعليق د. علي حسن الخربوطلي.
يمتدح المترجِم كثيراً هذا الكتاب، لأن كتب المستشرقين الآخرين تتوجه عادة للمثقف الغربي لمنعه من التعاطف مع الإسلام والمسلمين، على حد قول الدكتور الخربوطلي، بينما يجد هذا الكتاب موضوعياً في نظرته لتاريخ الآسلام.
وما إن قرات بضع عشرات من صفحات الكتاب، حتى شعرت بأني لم أعد بحاجة إلى متابعة القراءة. وحتى لا أطيل التعليق على الكتاب، يمكن اختصار ذلك بالقول: هذه بضاعتنا قد رُدّت إلينا. بل لا بد أن أكون قد ظلمتُ "بضاعتنا" بهذا القول، فلم يجد دكتورنا الخربوطلي جديراً بجهده في الترجمة إلى العربية إلا مرآةً أسطورية لنرجسيتنا تذكرنا بما قرأناه في "ألف ليلة وليلة". 
 
أنقل بعضاً مما قرأته بحرفيته في الكتاب المترجَم:
"وامتاز عبدالله بالجمال والصفات الحسنة التي تُعجِب النساء، حتى إن مائتيّ عذراء من قريش، كما تزعم بعض الروايات العربية، مُتْنَ حزناً وكمداً يوم زواج عبدالله."
"كان محمد هو الثمرة الأولى والوحيدة لهذا الزواج... وانبعثت ليلة مولده أنوارٌ عظيمة أضاءت السماء. ولما وُلِد محمد، رفع عينيه نحو السماء، وقال: "ألله أكبر، لا إله إلا الله، وأنا نبيّ الله"."
"وفي تلك الليلة الخالدة، انطفأت نيران زرادشت المقدّسة التي ظلّت تشتعل دون توقّف منذ آلاف السنين، وسقطت جميع أصنام العالم على الأرض، وطاردت الملائكةُ الشياطين الذين يسكنون النجوم، وأرغموهم وزعيمهم إبليس على أن يسكنوا قاع البحر."
"تروي حليمة الكثير عن الطفل الذي قامت برعايته.. وفي الطريق، كانت الأغنام تحني للطفل رؤوسها، حتى إذا نام في فراشه، وتطلّع إلى القمر، كان القمرُ ينحني له احتراما."
"يروي المؤرّخون العرب الكثير عن قوّة هذا الطفل ... فقد استطاع أن يقف على قدميه وعمره ثلاثة أشهر، واستطاع العدو حينما أتم سبعة أشهر، حتى إذا أتم عشرة شهور استطاع أن يشارك الأطفال الآخرين في رياضتهم واستخدام القوس والسهم واستطاع الكلام والفهم وعمره ثمانية أشهر."
هل هذا ما كتبه المؤرخون الغربيون عن الإسلام؟
 
بالتأكيد لا. لكن هذا ما يبحث عنه الدكتور الخربوطلي.
(محمد. الحجيري)
18/12/2015


الجمعة، 16 ديسمبر 2016

العدمية عند نيتشه: بين العدمية التدميرية والعدمية المتعَبة؛ م.ح.


#مد15 #مد_نيتشه
 العدمية.
يرى نيتشه بأن العدميّة قد تأتي نتيجةً لتنامي قوّةِ العقلِ لدرجة أنه يجد أن كلَّ أهدافِه السابقةِ كانت تافهة. (وهي العدمية التدميريّة).
 أو تكونُ نتيجةً لكسلٍ في العقل يمنعه عن اتخاذ أهدافٍ جديدة. ويسمّيها بـ"العدمية المتعَبة" (كالبوذيّة)
ويبدو أن نيتشه يعتبرها (بخاصة العدمية التدميرية) كمرحلة انتقالية لما يدعو إليه.. نتيجةً لاكتشاف إفلاس اللحظة الحاضرة بكل ما تحتويه..
(م.ح؛ 16/12/2015)