الثلاثاء، 16 مايو 2017



قانون السببية بين الغزالي وديفيد هيوم: قراءة مقارنة.

 كان هيوم في القرن الثامن عشر أول من شكك في قانون السببية في العصر الحديث: إذا تحركت الكرةُ الحمراء حين تصطدم بها الطابة البيضاء، فليس ثمّة ما يثبت بأن الطابة البيضاء كانت سبب حركة الطابة الحمراء.
هذا يعيدنا إلى الغزالي في القرن الثاني عشر (توفِِّي عام 11111) في حديثه عن احتراق القطن كلما اقتربت منه النار.
فليس ثمّة ما يثبت بأن النار قد تسببت بإحراق القطن. بل ليست النار هي التي أحرقت القطن. السبب الوحيد هو الله.
كلما وصلت النار إلى القطن، تدخلت الإرادة الإلهية وأحرقت القطن. ويمكن بالتالي أن تصل النارُ إلى القطنِ ولا يحترق القطن.
لا يمكن إثبات امتناع وصول النار إلى القطن دون أن يحترق هذا الأخير.
بالعودة إلى هيوم: لا يمكن إثبات امتناع ثبات الطابة الحمراء بعد اصطدام الطابة البيضاء بها.
لو حللنا الطابة البيضاء، لما وجدنا حركة الطابة الحمراء ضمن ما سنستخلصه من هذا التحليل.
أين التشابه وأين الاختلاف؟
استكمالاً لما قال به هيوم، نجد أنه يبرهن على عدم وجود قانون السببية في الطبيعة، أو بشكل أدق، يحاول أن يثبت بأننا لا يمكن أن نبرهن على وجود هذا القانون كلازمة لظواهر الطبيعة.
هذا أولاً، وثانياً، هو يقول بأن توقعنا لحركة الطابة الحمراء حين ستصطدم بها الطابة البيضاء، ما هو إلا نوع من العادة الذهنية، حصلت لدينا بسبب إطراد حصول هذا التتابع.
إطراد ظواهر الطبيعة، جعلنا نتوقع أن لكل ظاهرةٍ سبباً. فالعقل يولد صفحةً بيضاء، حتى من قانون السببية.
لو تخيلنا افتراضياً أن هذا العقل البشري قد وُجِد في عالم لم تتكرر فيه ظاهرة واحدة مرتين متشابهتين، لما افترض أن لكل ظاهرةٍ سبباً.
لو تخيلنا (على طريقة كوندياك) أن خبرتي الأولى الحسية كانت رؤيتي لجسم يسقط على الأرض ويصدر إثر ذلك صوتٌ ما..
وفي المرة الثانية، تُرِك الجسم ولم يسقط.
وفي الثالثة صدر الصوت دون وجود هذا الجسم.
وفي الرابعة تُرك الجسمُ فتحرك نحو الأعلى.
وفي الخامسة تحرك بشكل منحنٍ..
في المرة السادسة، وحين يُترَك هذا الجسم، فلن يتوقع العقلُ شيئاً..
 باختصار، أظن أن هيوم حاول أن ينفي بشكل مطلق السببية كقانون حتمي، على مستوى الفطرة العقلية: ليس ثمّة قانون عقلي فطري بالسببية.
 وثانياً على مستوى العالم: ليس ثمة ما يثبت ضرورةً أن نفس الظواهر الأولى سينتج عنها حتماً الظواهر التالية. ما هي إلا ترجيحات لا يمكن البرهان عليها.
 ومن النافل هنا القولُ بأن عدم القدرة على البرهان على قانون السببية لا يعني البتة برهاناً على عدم وجودها.
هل يشبه هيوم الغزالي في موقفهما من السببية؟
الغزالي يسلم بشكل مطلق بوجود السببية، لكنه يعيدها إلى سبب أول ووحيد هو: الله.
 ويقال بأن ذلك كان لغاية تبرير المعجزات الدينية والخوارق للطبيعة المادية كإمكانية إلقاء إبراهيم في النار دون أن يحترق: لأن من يحرق هو الله وليس النار. ومن هنا جاءت نظريتُه: الحاصل عنده وليس الحاصل به: أي عند حصول الظاهرة الأولى، تتدخل الإرادة الإلهية فتحدث الظاهرة الثانية. الظاهرة الثانية حصلت إذاً عند حصول الأولى وليس بها أو بسببها. لكنه يسلم دون نقاش بوجود السبب: الله.
 الأمر مختلفٌ عند هيوم: أولاً، الهم الديني غائبٌ تماماً عنده. وبغياب السبب الأول والوحيد، لا يبقى إلا الترجيح بسبب عاداتٍ ذهنية ناتجة عن اطراد الأحداث ولا يمكن البرهان على حتميتها.
 وحتى لو كان الاطراد حتمياً وأكيداً، فهو يختلف عن السببية، التي تبقى فرضية ميتافيزيقية ومسلّمةً غير قابلة للبرهان.

(م. ح)
 2017/5/15


لا وقت لكل هذا..


قال قائلهم أغبِطُ اللهَ الذي لا يموت
وقال ثانيهِم، أُشفِقُ على إله لا يفنى ليرتاحَ من معاينة هموم الناس.
 أما الثالث فكان يشعر بالغيرةِ من إله يبدعُ بأصابعه كلَّ هذا الجمال من صلصالٍ طوعَ يديه، ثم يسبّح ذاتَه وما صنَعَتْ.


أما آخرهُم فكان يراقب نفسه ويقول:

 تُمضون أعمارَكُم تراقبون الإله ويراقبُكُم.
 الحقَّ أقول لكم: لا وقتَ لديكم لكل هذا..

(محمد الحجيري)
16 أيار 2016 


أصل الكون بين أرسطو والنص القرآني:
 هل هناك خلقٌ من عدم؟

من المعروف أن السبب الأول عند أرسطو، لم يخلق الكون.
 فالمادّة قديمة غير مخلوقة.
أما في الإسلام (وربما لدى غالبية الديانات)، فإن الإله خالقٌ للكون من عدم.
على الأقل هذا ما أظن أنه الشائع لدى غالبية الناس.
لكن خلال تتبعي لاستخدام كلمة الخلق في النصّ القرآني، تفاجأت أنني لم أجد ما يؤكّد هذه الفكرة.
 ولا أدّعي أني قد أحطت إحاطةً شاملة بالموضوع، لذلك آمل من أصحاب الرأي العارفين، المشاركة بالإضاءة على الموضوع لنستفيد من رأيهم ومعرفتهم.
بعض الآيات يتحدّث عن الخلق بشكلٍ محايد، أقصد أنها لا تتحدث عن الخلق من العدم، كما أنها لا تتحدث عن ذلك كانتقالٍ من شكلٍ من أشكال الوجود إلى شكلٍ جديد.
ومن الأمثلة عن هذه الآيات:
(والذي خلق الأزواج كُلها... ) (سورة الزخرف: 12).
(خلق السماوات والأرض بالحق) (سورة الأنعام: 73).
(سبح اسم ربك الأعلى، الذي خلق فسوّى) (سورة الأعلى: 2).
 وفي هذه الآيات لا توجد إشارة إذا كان الخلق قد تمّ من مادّة سابقة أم أن الخلق قد تمّ من عدم..
أما القسم الآخر من الآيات، فإنه يتحدّث عن الخلق، ليس كإيجاد من العدم، بل كانتقال من شكلٍ من أشكال الوجود إلى شكلٍ جديد. (لست متأكداً إذا كان الشكل الجديد هو شكل مسبوقٌ أم جديد وغير مسبوق).
من هذه الآيات:
(... كان علقة فخلق فسوى) (سورة القيامة: 38).
(أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) (سورة الكهف:37).
 (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون، فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) (سورة الحجر: 28-29).
(الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) (سورة السجدة: 7-9).
(إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) (سورة ص: 72).
(ثم كان علقة فخلق فسوّى، فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى) (سورة القيامة: 39).
(قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سوّاك رجلاً) (سورة الكهف: 37).
(خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) (سورة النحل: 4).
(خلق كل دابة من ماء) (سورة النور: 45).
(وهو الذي خلق من الماء بشراً) (سورة الفرقان: 54).
(خلق الإنسان من نطفة... ) (سورة النحل: 4).
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً... ) (سورة الروم: 211).
وكل هذه الآيات تدلّ على أن الخلق قد تمّ انطلاقاً من مادّة سابقة كانت موجودة قبلاً: التراب صار نطفةً. الصلصال صار بشراً. الطين صار إنساناً. العلقةُ صارت ذكراً وأنثى. الماء صار دابّةً...
ـ ويرى غالب حسن الشابندر بأن "كل الآيات التي تتحدث عن خلق السماوات والأرض إنما تشير إلى ابتداعها حيث لم تكن موجودة... وهنا ملاحظة دقيقة..
 إن هذا لا يعني أن السماوات والأرض مخلوقة من عدم، بل هي مسبوقة بعدم، وفارق كبير بين المعنيين."

(محمد الحجيري)
16 أيار 2015 

الخميس، 20 أبريل 2017

خواطر؛ م.ح




وربيعٍ في عينيك أراهُ
 
رغم حبات المطر..
19/4

#فقط
وحدَه الليلُ يسمع..
ووحدَه الليل 
يدنو
يجلس قربك 
وينتظر ما تقول
 
أو ما لا تقول
18/4/

كل خصوصية تبعدك عن الإنسان
 
خصوصية طارئة.
18/4/

وكنت حزيناً
 
مثل انتظارٍ تحت المطر.
18/4/

وحين أصبح شفافاً كالبلّور
أبصِر نفسي
 
ويخطئُني الآخرون.
17/4

الزمان؟
 
انتظار بين لقاءين
يقول العاشق.
17/4

المكان لا يزول
 
والزمان لا يبقى.
17/4



الثلاثاء، 11 أبريل 2017

ما يشبه النقد الذاتي (أو حول علاقة الفلسفة بالعلم)؛ محمد الحجيري.



#مد17 : ما يشبه النقد الذاتي.
هل الفلسفة تؤسس للمستقبل أم أنها تعكس ثقافة الحاضر فقط؟ وبالتالي فإن ثقافة العصر التي أنتجت هذه الفلسفة هي التي تؤسس للمستقبل.
لقد ورد في مقابلة مع الدكتور محمد التركي قوله بأن "العصر الحديث.. عرف العديد من الأفكار والتيارات الفلسفية مثل العقلانية التي بادر بها ديكارت وتفرّعت عنها الثورتان العلمية والصناعية أو الأنوار التي تمخّضت عنها "الحرّيات وحقوق الإنسان" والثورتان الأميركية والفرنسية في القرن الثامن عشر".
لقد تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ هذه العبارة السؤال التالي:
هل فعلاً أن الثورة العلمية والصناعية "تفرّعت" عن العقلانية الديكارتية؟
إذا كان غاليليه يعتبر من أهم الشخصيات التي ساهمت في إنتاج العلم الحديث، فلا يمكن الادعاء بأنه من "تفرعات" العقلانية الديكارتية. فهو قد وُلِد قبل ديكارت بحوالي ثلاثة عقود. (غاليليه: 1564ـ 1642م. بينما ديكارت: 1596ـ 1650م).
ومن المعروف أيضاً أن ديكارت قد توصل إلى ما توصل إليه غاليليه، ثم حين حكمت الكنيسة على غاليلية، تراجع ديكارت عن نشر كتابه عن الكون الذي توصل فيه إلى نتائج تتوافق مع ما توصل إليه غاليليه..
في كل الأحوال لا يمكن القول بأن ما توصل إليه غاليليه كان بفضل العقلانية الديكارتية.
وما ينطبق على غاليليه ينطبق أيضاً على العالم الألماني يوهانس كبلر (1571 ـ 1630م) الذي اكتشف قانون المدارات الإهليلجية للكواكب وسرعاتها المتغيرة.. بعد أن تحدث كوبرنيك عن المدارات الدائرية والسرعات الثابتة للكواكب.
ورغم الخطأ الذي وقع فيه كوبرنيك، فهو صاحب الثورة العلمية التي نزعت الأرض عن عرشها وجعلت منها كوكباً بسيطاً يطوح في الفضاء حول الشمس.
من المفيد هنا التذكير بأن كوبرنيك سبق ديكارت بأكثر من قرن من الزمن (1473ـ 1543م)
فلماذا إذاً هذا القول بأن العقلانية الديكارتية هي التي أنتجت الثورتين العلمية والصناعية؟
وهل لو صح لنا التخيل بتاريخ لا وجود فيه لديكارت، بأن تاريخ العلم كان سيكون مختلفاً؟
طبعاً من الصعب الحكم بمدى تأثير الفلسفة في العلم ومدى تأثرها به، والتي هي على الأرجح علاقةٌ جدلية. لكن أظن أحياناً ببعض المبالغات في دور الفلاسفة، ربما لأن العلماء يعملون في مختبراتهم، بينما يدبج الفلاسفة خطاباتهم حول العقلانية، تحديداً في المجال العلمي..
تساؤلات برسم أنصار الفلسفة الذين أعتبر نفسي واحداً منهم.

محمد الحجيري؛ 10/4/2017 
(عن فيسبوك)

السبت، 25 مارس 2017

قراءة في تعليق رابطة الثانوي إضرابها المفتوح؛ محمد الحجيري.





قراءة في تعليق رابطة الثانوي إضرابها المفتوح بتاريخ 24 آذار 2017
رأي للنقاش:
أما وقد حط قطار حراك الأساتذة الثانويين في محطته الأخيرة يوم أمس الجمعة 24 آذار 2017 بتعليق الإضراب المفتوح لمدة أسبوعين كما أعلن بيان الهيئة الإدارية للرابطة، بعد تصويت للجمعيات العمومية يوميّ الخميس والجمعة 23 و24 آذار، وبعد تصويت سابق في الجمعيات العمومية نهار الأربعاء 22 آذار، أي قبل يوم واحد من إعادة التوصية من جديد بإعادة التصويت على تعليق الإضراب، وهو ما أثار استهجاناً محقاً من الكثير من الأساتذة على هذا الإصرار على تعليق الإضراب. ثم ما تلا ذلك من سجالات بين الأساتذة كأفراد أو كمجموعات، أرى أنه من المفيد إجراء وقفة تقويمية ونقدية لما حصل.
لقد بررت الهيئة الإدارية قرارها بتعليق الإضراب بحسب ما جاء في بيانها بالقول بأن تحركاتها قد "تُوّجت بلقاء دولة الرئيس سعد الحريري، بحضور معالي وزير التربية الأستاذ مروان حمادة، حيث عرضت الرابطة مطالبها وامتدت الجلسة لأكثر من ثلاث ساعات، أجرى خلالها دولة الرئيس الحريري مشاورات مع دولة الرئيس نبيه بري ومعالي وزير المال الأستاذ علي حسن خليل، والتي إن دلّت على شيء فهو حرصه كمسؤول على رفع المظلوميّة عن أساتذة التعليم الثانوي، وأدّت إلى تبنّي الرئيس الحريري ما يلي:
رفع عدد الدرجات من ثلاث إلى خمس درجات للثانوي.
تحسين أرقام السلسلة وتعديل قيمة الدرجة.
إلغاء المادة 37 نظرًا للمخاطر الناجمة عنها في حال إقرارها.
إشراك الرابطة في كل الورش التربويّة.
 
تبنّي معالي وزير التربية مشروع قانون الموقع الوظيفي وعرضه على مجلس الوزراء والدفاع عنه حتى النهاية، وقد صرّح معاليه بذلك أمام وسائل الإعلام."
ثم يستطرد البيان بالقول بأن الرئيس بري قد "تفهّم .. المطالب وأكّد ردًا على سؤال حول ما إذا ستكون هناك جلسة نيابية لإقرار السلسلة بالقول: "إن السلسلة هي أولوية وإذا كان قانون الانتخاب انتحار فإن السلسلة هي إفقار"، وسوف يتم تحديد جلسة خلال أسابيع ثلاثة لإقرار السلسلة، ووعد دولته بالعمل على رفع عدد الدرجات إلى ست وإعادة دراسة الضرائب المفروضة بحيث لا تطال أصحاب الدخل المحدود والفقراء، كما وعد بإعادة دراسة أرقام المتقاعدين والعمل على إنصافهم." (انتهى الاقتباس)
هل في هذه الوعود من جديد؟
وهل هي كافية للاطمئنان إلى ما ستؤول إليه الأمور، وبالتالي تشكل ضمانةً كافيةً لتعليق الإضراب؟
وهل هي كل ما يطالب به الأساتذة؟
وأسئلة كثيرة غيرها يمكن أن تُطرح في هذا السياق..
أظن أن هناك جديد في هذه الوعود:
ــ منها زيادة (أو الوعد بزيادة) ثلاث درجات عما كان مطروح سابقاً.
ــ الوعد بإلغاء المادة 37 التي تشكل تهديداً للوظيفة العامة وتجعلها رهينةً بمزاجية المسؤول المباشر..
ــ تبني وزير التربية قانون الموقع الوظيفي والوعد بتقديم مشروع قانون بذلك إلى المجلس النيابي.
ــ العمل على إنصاف المتقاعدين (وإن كان ذلك قد ورد بعبارة عامة دون تحديد كيف سيتم إنصافهم).
ــ تعليق الإضراب لمدة زمنية محددة مدتها أسبوعان.
ــ وأخيراً بإعادة درس مصدر التمويل بشكل لا يمس الطبقات الفقيرة.
هل هذا كل ما يطالب به الأساتذة؟ وهل من ضمانات لتحقيق هذه الوعود؟
بالطبع لا.
وإذا كانت هذه الوعود لم تتحقق إلا بفضل ضغوطات الأساتذة ووحدتهم، ونزولهم بشكل غير مسبوق إلى الساحات، فإن تحقيقها لن يتم (بحسب ظني) إلا باستخدام نفس وسائل الضغط. ونحن ما زلنا بحاجة إلى وحدتنا من أجل ذلك.
وإذا كان الحصول على الدرجات الست مرهون بجلسة المجلس النيابي وإقرار السلسلة، فإن مشروع قانون الحفاظ على موقع الأستاذ الثانوي يشكل ربط النزاع لاستئناف تحركات لاحقة تعيد إلى الأساتذة ما خسروه من فارق بينهم وبين الإداريين، أو من حفظ للفارق بينهم وبين الجامعيين.
السؤال: ما هي الخيارات التي كانت متاحةً أمام الأساتذة؟ أو ما هي الاحتمالات؟
إني أظن بأن الهيئة الإدارية للرابطة لم تكن جادة منذ البداية في الذهاب في الإضراب المفتوح إلى النهاية.
من يستعيد تصريحات المسؤولين في الهيئة الإدارية يمكن أن يستنتج ذلك، فمن يتخذ قراراً حقيقياً بالذهاب بالإضراب المفتوح حتى النهاية، ليس بحاجة أن يطل علينا كل يوم ليعيد التأكيد بأن اليوم التالي أيضاً هو إضراب.. وكأنهم كانوا يحسبون الأيام يوماً بيوم.
وما المواقف عالية السقف التي كانت تصدر عن بعض مسؤولي الرابطة في اجتماعات الفروع (وهذا ما عاينته) إلا، إما لعدم معرفتهم بالقرار الحقيقي للرابطة، أو لأنهم كانوا يريدون حشداً وموقفاً موحداً للأساتذة حتى  اجتماع الهيئة العامة للمجلس النيابي الذي كان مقرراً يومي الأربعاء والخميس 22 و23 آذار يشكل عامل ضغط على النواب، ثم بعد ذلك سيذهبون إلى تعليق الإضراب، بعد أن يكونوا قد حققوا ما يمكن تحقيقه في هذه المرحلة، مع ربط للنزاع في ما يتعلق ببقية المطالب إلى مرحلة لاحقة.
ويبدو أن الأمور قد ذهبت أبعد مما كان يخطَّط لها، وبالتحديد من قبل بعض المرجعيات السياسية، حيث ذهب اندفاع الأساتذة في الدفاع عن حقوقهم أبعد مما كان يخطط لها، حيث يبدو أن هذه المرجعيات كانت تريد توظيف حراك الأساتذة الثانويين في مساوماتهم السياسية.. ولما رأت أن الأمور بدأت تفلت من أيديهم كان إقفال الطرقات بتاريخ الخامس عشر من آذار على المتظاهرين منعاً من وصولهم إلى ساحة رياض الصلح للانضمام إلى زملائهم المعتصمين تحت المطر، ولتذكير الجميع بأن هذه المرجعية هي من يرسم السقف لحراك الأساتذة..
بعد هذا العرض يمكن الوصول إلى الاستنتاج التالي:
لقد كان حراك الأساتذة أمام احتمالين عشية الثاني والعشرين من آذار، وبعد تصويت الجمعيات العمومية لصالح الاستمرار بالإضراب المفتوح:
ــ إما الاستمرار بالإضراب.
ــ أو تعليق الإضراب.
وفي كلتا الحالتين كان هناك اختلاف في وجهات النظر.
وبعد أن تم ما تم، يمكن أن نناقش هذين الاحتمالين:
أنا أظن أن استمرار الإضراب، التزاماً بما صدر عن الجمعيات العمومية، كان سيعني أن الإضراب سيستمر في وقت تعارضه قيادة الرابطة، وبالتالي فإن خروقاتٍ كبيرةً للإضراب كانت ستحصل.. ربما أكثر من نصف الثانويات.
ماذا كان سيحصل في الثانويات الملتزمة بالإضراب؟
على الأرجح أن الكثير منها كان سيلتحق بطريقة عشوائية بفك الإضراب. وكان سيسود الهرج والمرج والفوضى.. وتقاذف الاتهامات وتحميل المسؤوليات..
كما أن تعليق الإضراب قد أحدث شرخاً، هو كان موجوداً في الأصل بعد انتخابات الرابطة..
أنا من حيث المبدأ وبدون أدنى تردد منحازٌ إلى مجموعة الأساتذة المعترضين على أداء الرابطة وعلى ولاء مسؤولي الهيئة الإدارية لمرجعياتهم السياسية المشاركة في السلطة: في المجلس وفي الحكومة.
لكن أيّ الخيارين كان الأفضل في ظل هذه المعطيات؟
طبعاً هناك معطيات أخرى وأسئلة أخرى..
هل كان يمكن لهذه الرابطة الاستمرار في التصعيد حتى النهاية للحصول على كافة المطالب؟
إذا كان الجوب بالسلب، فهل الأفضل تعليق الإضراب الآن أم بعد فترة يصبح فيها إكمال العام الدراسي مستحيلاً؟
كيف كانت ستكون علاقة الأساتذة بالأهالي؟ وغيرها من الأسئلة.
أخيراً، أريد القول بأن أمامنا محطات طويلة ما زالت تنتظرنا، ومن المناسب أن يكون الجسم التعليمي متماسكاً حولها.. فلنبحث عن المشتركات التي تجمع الأساتذة استعداداً لذلك.
أما الزملاء الذين يعتبرون أن ما حصل كان نكسةً، فإني لا أرى رأيهم.
الأمور ما زالت بخير.
إن من يعرف تركيبة البلد، وتركيبة الرابطة، وولاءات الجميع.. لا يجب أن يصاب بالإحباط. فإن ما حصل يبدو معقولاً جداً في هذه المرحلة وفي ظل كل هذه المعطيات.
هذه وجهة نظر للنقاش مع الزملاء الأصدقاء الذين أكن لهم كل المودة والتقدير، ومستعد للاعتراف بأي استنتاج غير صحيح، وإن حصل ذلك فليس إلا لخطإٍ في التقدير ليس إلا.
فأنا لست مسؤولاً في الرابطة، وكنت معارضاً لها في الانتخابات.. ما أنا إلا أحد المندوبين  عن الأساتذة في ثانويتي، وفي اليوم الذي أجد أن ما يقرره من انتدبني لا يتفق مع قناعاتي سأترك هذه الوكالة لغيري.

محمد الحجيري

25/3/2017 

الاثنين، 13 مارس 2017

برغسون في مناطق الالتباس؛ محمد الحجيري.




برغسون في مناطق الالتباس
محمد الحجيري.


الكثير من آراء برغسون يمكن القبول بها دون تحفّظ، لكنه في بعض محاضراته يدخل إلى طرح بعض الاحتمالات دون مسوّغ مقنع.
 الإشكاليّة التي يدخلنا برغسون في دوّامتها هي نظريّة الفكر المفارق، والتي هي إشكالية قديمة في تاريخ الفلسفة (والدين)، أعاد طرحها قبله ديكارت في القرن السابع عشر حين قال بأن المادة ممتدة وتوجد في المكان، بينما من خصائص الفكر أنه لا يوجد في مكان.. وهنا ندخل في متاهة طبيعة العلاقة بين هذا الذي لا يوجد في مكان وبين المادّة..

برغسون يرى بأن الذكريات كأفكار هي من طبيعة روحيّة ولا توجد في مكان.
هي لا توجد في الدماغ، لكن الدماغ يكلَّف بتنظيم استدعائها بحسب الحاجة..

 الوعي يقوم بتمرينه من خلال المادة ـ كما يرى برغسون ـ وبالتالي بإمكان هذا الوعي أن يستمر بعد مغادرة الحياة لهذا الجسد (لأن القول بفناء الجسد غير دقيق)..
 ربما يكون الرأي الأسهل إلى الفهم هو رأي المدرسة الظاهراتية التي ترفض الحديث عن وعي مفارق، وتقول بأن ما هو موجود في الواقع هو فعل وعي: لا توجد ذكريات جاهزة، هناك أفراد يتذكرون. لا توجد حركة، هناك جسم يتحرك.

الفقرة الواردة أدناه تنقل موقف برغسون بحرفيته، الذي لا يغيب عنه الطابع الأدبي
"إن النشاط العقلي عند الإنسان يتجاوز نشاطه الدماغي، وإن الدماغ يختزن عاداتٍ محرّكةً ولكنه لا يختزن الذكريات، وإن الوظائف الأخرى الفكريّة هي أيضاً أكثر استقلالاً، عن الدماغ، [من الذاكرة]، وإن الاحتفاظ بالشخصية، وحتى تزخيمَها، يصبحان بعد ذلك ممكنَين أو حتى محتملَين، بعد تفكّك الجسد، ألا نظن عندئذٍ أن الوعي، من خلال مروره عبر المادة الموجودة في هذه الدنيا، يُصقَلُ كما الفولاذ، وأنه يستعدّ ويتحضّر لعملٍ أكثر فعاليّة، ولحياةٍ أكثر زخماً؟"
(من محاضرة لـ برغسون تعود لعام 19111)

محمد الحجيري 
13 آذار 2016 

الأحد، 5 مارس 2017

الشيء في ذاته؛ محمد الحجيري.




الشيء في ذاته.

قبل ديكارت، كان العالم موجوداً ومن البديهيات
وهذا العالم يساهم في تشكيل وعينا عنه
مع  ديكارت، أصبح الوعي موجوداً. وهو الذي يسعى للبرهان على وجود العالم وعلى فهمه
مع كانط، استمرت الأولوية لوجود الوعي، أو لوجودِ قوالبِ العقل الأولية، التي تساهم في تشكيل الوعي بالعالم.
الوعي بالعالم إذاً يتشكل بناءً على شكل العقل وشروطه أو الطريقة التي يستطيع من خلالها فهم العالم.
بدايةً، كان العالم يأتي إلى العقل ليحدث وعياً يشبه العالم ذاتَه.
مع كانط، أصبح العالم يأتي إلى العقل ليحدث وعياً يشبه العقل ذاتَه. أو وعياً لم يعد يشبه العالم ذاته، بل يرتبط بقدرة العقل وطريقته في الفهم.
كان العالم يأتي إلى العقل ليحدث وعياً مطابقاً للعالم أو يمكن له أن يكون مطابقاً.
مع كانط، أصبح العقل يذهب إلى العلم ليفهمه، أو يذهب إليه ليستحضره بطريقته هو وبناء على شروطه هو، أي بناءً على شروط العقل ذاته.
لم يعد الوعي المطابق للعالم ممكناً أو في متناول الوعي. أصبح عالماً مقفلاً على كل وعي موضوعي: أصبح "شيئاً في ذاته".
أصبحنا لا نملك إلا وعينا عن العالم، أما العالم كما هو فلم يعد ممكناً. لم يعد من الممكن فصل فهم العالم عن الأداة التي تقوم بهذا الفهم.
مع هوسرل، لم يعد بإمكان العقل أن يذهب إلى "اللامكان" كما كان الأمر عند ديكارت.
العقل الذي لا يجد مكاناً يذهب إليه أو موضوعاً يعقله، لن يكون عقلاً.
هوسرل يشبه كانط هنا أكثر مما يشبه ديكارت. رغم أنه انطلق بتأملات "ديكارتية".
كان كانط يعتبر بأن عقلاً بدون موضوع للتعقل هو عقل فارغ. وبأن موضوعاً بدون "تعقيل"، أو بدون أن تُفرض عليه قوالب العقل أو قوانينه، هو نوع من الفوضى.
لكن هوسرل يذهب بجيوش العقل محاولاً هدم جدران "الشيء في ذاته" التي أقامها كانط.
يعتبر هوسرل بأن معرفة هذا الشيء في ذاته ممكنة، بل يذهب إلى القول بأن لا وجود لهذا "الشيء في ذاته"، ولا وجود إلا لما يظهر للوعي، أو للظواهر.. وبأن معرفة ماهية هذه الظواهر هي معرفة ممكنة.
يبحث هوسرل عن حدس الماهيات، أي عن وعيها مباشرةً.
نحن حين نرى طاولةً حمراء، فإننا نعي اللون الأحمر بشكل مباشر.. ونتحدث عنه، حتى لو لم نرَ إلا هذا الشيء الأحمر.
لسنا بحاجة إلى التجريد الذهني: أي لسنا بحاجة إلى أن نرى الدجاجة الحمراء والوردة الحمراء والطاولة الحمراء وغيرها من الأشياء ذات اللون الأحمر حتى نستخلص مفهوم اللون الأحمر كما كان يذهب إلى ذلك أرسطو في رده على أستاذه أفلاطون.
أفلاطون الذي كان يرى أن مثال أو فكرة اللون الأحمر سابقة في الوجود على وجود الأشياء الحمراء.
نحن نحدس اللون الأحمر مباشرة وليس كنوع من التجريد الذهني الناتج عن الصفة المشتركة للأشياء المتعددة الحمراء.
وكذلك نحن نحدس ماهيات بقية الأشياء مثل هذه الطاولة أو الكرسي أو غير ذلك.
الحواس لا تقدم لنا كل معطيات الكرسي في آن واحد.
حدس ماهية الكرسي هو حدس عقلي مباشر وليس تجريداً ذهنياً.
والتجربة الحسية لا تقدم لنا إلا الجزئيات ولا يمكن أن تكون سبباً للماهيات أو الكليات. إنه الحدس الماهوي.
يحاول هوسرل المصالحة بين الذات والموضوع في تشكيل الوعي، وهذا ما قال به كانط.
لقد حاول هدم جدار "الشيء في ذاته" لولوج ماهية الأشياء.. محاولاً تخطي حواجز كانط بين الوعي بالعلم وحقيقة ذلك العالم.
لكن إذا كان فهمي لهوسرل صحيحاً، فأظنه قد بقي أمام تلك الأسوار ولم يستطع تجاوزها.
أظن أن نقده ربما نجح في زحزحة التجريدات التي قال بها أرسطو: يمكن لنا حدس الكليات لا كنوع من التجريد الذي تقدمه التجربة الحسية بل كنوع من الحدس المباشر.
لكن أظن أنه ما زال بيننا وبين ماهية الشيء في ذاته جدران كانطية عالية ربما يستحيل تجاوزها.
يبدو أن هوسر بتصويبه على كانط لم يصب إلا بعضاً من الإرث الأرسطي..
والله أعلم..

محمد الحجيري
5 آذار 2017


الثلاثاء، 28 فبراير 2017

حين يكون الكون لي.



يكون هذا الكون لي حين يلامس النسيم جلدي وأشعر أني ما زلت حيّا
 يكون هذا النهر لي حين تلاطف ماؤه أقدامي في طريقها نحو البحر
وحين يغمرني هذا الكون منذ بدء التكوين وحتى ينفَخُ في الصور، يكون لي ..
في لحظةٍ ما، يمكن لهذا الكون أن يكون لنا جميعا.

1 آذار 2017 
محمد الحجيري

الخميس، 23 فبراير 2017

العقل خادماً؛ محمد الحجيري.



العقل خادماً
منذ أن توصل كانط في كتابه "نقد العقل المحض" إلى القول بأن العقل ليس الأداة الصالحة للبحث في الميتافيزيقا.. لم ياتِ أحد، حسب ما أعلم، لينقض هذا القول.
 العقل يستطيع أن يأتي ببراهين عقلية لإثبات موضوعات الميتافيزيقا، وأقصد بالتحديد مسألة الإيمان، بقدر ما يستطيع أن يأتي ببراهين تنفي هذه الموضوعات.
 الإيمان بهذه الموضوعات موجود. لكنه إيمان. قد يكون مفيداً. وقد يؤمن لصاحبه نوعاً من الراحة النفسية.. قد يكون صحيحاً، وقد يكون خاطئاً.. وفي كل الأحوال، لا يمكن الوصول إلى صحة هذا الاعتقاد بالعقل.
لكن المؤمن بهذه العقيدة يستخدم العقل للدفاع عنها.
يُستَخدَم العقلُ للدفاع عن قضايا ليس متأكداً منها.
 لماذا لا يكتفي المؤمن بعقيدة ما بالقول بأنه يؤمن بها فقط. لماذا يحاول الإثبات بأن ما يعتقده يقارب أو يفوق المعرفة العلمية؟ بل يحاول أن يثبت بأن قناعته حقيقة كونيّة. وهو في كل ذلك يسخر العقل زوراً لإثبات ما لم يتوصل إليه. (أي ما لم يتوصل إليه العقل).
لماذا نقبل أن نستخدم أرقى ما نملك ليكون شاهد زور؟
وهو شاهد زور في أكثر من ساحة.
 بدلاً من أن نستعين به ونستشيره حيث يمكن له أن يُستشار، نستخدمه كمرتزق لتبرير مواقفنا المسبَقة.. في الدين وفي السياسة وفي كل القضايا التي لا علاقة له بالتوصل إليها.

محمد الحجيري
23 شباط 2016

الخميس، 16 فبراير 2017

من أيام الجامعة: زيناتي أستاذاً؛ محمد الحجيري.


من ذكريات الجامعة: زيناتي أستاذاً.

تحيّة إلى جورج زيناتي.

يدلف جورج زيناتي غرفة الصف بتواضعه المعهود، نجلس على مقاعدنا بالقرب منه بطريقة أشبه بحلقة نقاش، نصغي إليه بشغف وانجذابٍ شديديْن، ثم يبدأ محاضرته في الفلسفة المعاصرة بطريقة سلسة تجعلك تشعر بألفة شديدة.. هي ذي الفلسفة بالغة السهولة والوضوح، فلِمَ يقولون عنها بأنها مبهمة وغامضة ومغرقة في التجريد؟؟
تكاد تشعر أنها قريبة منك قُربَ هذا الكرّاس الذي تكتب عليه.. وقليلاً كان ما نكتب..
 
لا داعيَ للكتابة، فما يقوله بالغ الوضوح والبساطة. ويربط لك الأفكار المجردة بأكثر الأشياء قرباً وعينيّة..
 
المفاجأة تكون، أننا بعد أن نفترق، وفي محاولة كتابة شيءٍ مما كان يقوله، يشعر واحدنا بالعجز عن كتابة جملة واحدة!
 
حينها، وحينها فقط، كنا ندرك قيمة الكلمات القليلة التي دوّناها خلال المحاضرة، نتعامل مع تلك الكلمات القليلة كأيقونة بالغة القيمة، ثم نحافظ عليها.
ـ فيلسوف كبير واحد ما زال حياً: هو بول ريكور. قال لنا ذات نهار. 
 
لم نكن قد سمعنا بهذا الإسم قبل ذلك.
ـ إذا كتبتَ، فدع أحداً غيرك يراجع ما كتبتَه! وإذا أردت أن تراجعَه بنفسك، فدع ذلك لليوم التالي أو بعد عدّة أيام. فلن تكتشف هفواتك إذا راجعت ذلك بعد الكتابة مباشرةً. (إحدى وصاياه لنا)
لم يكن جورج زيناتي يحيط نفسه بأبهة أو يكترث أن يكون محط اهتمام. 
كان رئيس قسم الفلسفة يجمعنا ويقول لنا: حاولوا الإفادة من الدكتور زيناتي قدر استطاعتكم..
 
الدكتور ناصيف نصّار، عميد كليّة الآداب في حينه، كان في زيارة تفقدية للفرع الخامس.. دخل إلى صفنا وقطع علينا إصغاءنا لأقوال زيناتي "البسيطة"..
قبل أن يغادر، تنحّى بنا جانباً وقال: "بهنيكم أن جورج زيناتي يعلّمكم"..
..
فاقتضى القول 

(كان ذلك منذ أكثر من عشرين سنة)

الجمعة، 27 يناير 2017

تساؤلات فلسفية: الوعي المفارق؛ محمد الحجيري.




 تساؤلات فلسفية
يرى الفلاسفة المثاليون بأن للفكر وجوداً مستقلاً عن الجسد.
فديكارت وبرغسون يريان بأن الوعي يبقى بعد فناء الجسد.
 وإذا كان الوعي أو الفكر يبقى بعد فناء الجسد (والأصح بعد تحلل الجسد)، فهل يمكن أن ينوجد الفكر قبل تشكل الجسد؟
ليس لدى ديكارت وبرغسون إجابة عن ذلك في حدود ما أعرف.
لكن أفلاطون، زعيم المثالية، يقول بأن الفكرة سابقة لوجود الجسد: في عالم المثل.
 إذا انتقلنا من الفكر إلى التفكير، وهي الصيغة الوحيدة التي يقبل بها الظاهراتيون، فإن التفكير يكون في حالة تحوّل دائم.
ما الذي يمكن أن يبقى بعد تحلل الجسد؟
 هل هو الفكر الناجز الثابت، أم هو حالة التفكير المتحوّلة باستمرار؟ وهل يمكن للفكر الثابت أن يكون فكراً؟ أو أن يكون أي شيءٍ على الإطلاق؟
 وهل يمكن لحالة التفكير المتحولة باستمرار أن تكون مستقلة عن الجسد المتحول الذي يراقب العالم الداخلي والخارجي المتحولين باستمرار أيضاً؟
هل الوعي الثابت هو وعي حقاً؟
 وهل الوعي المتحول ممكن بعيداً عن الجسد؟ أو بعيداً عمن يقوم بفعل الوعي؟
تساؤلات وإجابات وتاريخ من الهذيان..
محمد الحجيري.
 26/1/2017

الخميس، 19 يناير 2017

ديكارت في بحثه عن اليقين الأول؛ محمد الحجيري.



ديكارت في بحثه عن يقين أوّل.
"وهل كان أرخميدس يطلب غير نقطة ثابتة، لا تتحرك، لينقل الكرة الأرضية من مكانها إلى مكان آخر، كذلك أنا فإنّه يحق لي أن أعلل النفس، بأكثر الآمال، إذا أسعفني الحظ، وعثرت على شيء ثابت لا شك فيه."
 (ديكارت، تأملات ميتافيزيقيّة)
قراءة أو وجهة نظر:
 من المعروف بأن ديكارت كان من كبار الرياضيين في القرن السابع عشر. وساءه ما رآه من عودة كل فيلسوف إلى تأسيس الفلسفة من جديد بنقضه لمسلمات الفلاسفة السابقين المنتمين إلى مدارس مختلفة.
 بينما هو يرى بأن العلوم، وتحديداً الرياضيات تنطلق من بديهيات واضحة، ثم تقوم باستخلاص استنتاجات منطقية انطلاقاً من تلك البديهيات، لا يمكن نقضها، طالما أن نقطة الانطلاق بديهية وواضحة، وطالما أن الطريقة البرهانية سليمة.
 إذاً هو في محاولته للوصول إلى البديهة الأولى غير القابلة للشك، ثم البناء عليها بمنطق صحيح، فكأنه يحاول أن يجعل من الفلسفة علماً مثل علم الرياضيات. وهو بذلك سابق على محاولة هوسرل الذي سعى طوال حياته لجعل الفلسفة علماً..
 وهذه البديهية التي سيبني عليها بناءه الفلسفي، يبدو أنه يحلو لديكارت بتشبيهها بالنقطة الثابتة التي يبحث عنها أرخميدس لينقل الأرض من مكانها: إنه الثورة أو الانقلاب الكبير الذي ربما ظن ديكارت أنه نجح في إحداثه حيث فشل أرخميدس في ذلك.
لكن هل استطاع ديكارت أن "ينقل الأرض من مكانها"؟
 أظن أن ديكارت لم يستطع إلا أن يجد النقطة الثابتة، وأن كل ما بناه على هذه البديهية قابل لنقاش فلسفي طويل: برهانه على وجود الله، ثم برهانه على وجود المادة.
 لقد بقي ديكارت داخل دائرته المقفلة التي اعتبر أنه يستطيع أن يبرهن على وجودها، حتى لو كان العالم بكامله غيرَ موجود: إنها دائرة الكوجيتو. الفكر الذاتي الذي يبرهن على وجوده حتى لو كان وحيداً ولا وجود يقيني لأي شيء آخر.. وهي الفكرة التي يبدو أنها لم تقنع هوسرل الذي اعتبر بأن هذه الذات المكتفية بذاتها، أو هذا الفكر المكتفي بذاته في دائرة الأناوحديّة، لا يمكن لها أن تكون كذلك، أي مكتفية بذاتها. فكل وعي هو وعي بشيءٍ ما.. ولو أن هذه الأنا المفكرة لو كانت وحيدة في العالم، أو لو كانت هي وحدها العالم، لكان من المستحيل عليها أن تفكر..

محمدالحجيري
18/1/2017 

إيمان باسكال



إيمان باسكال (1623ـ 1662) والحسابات الرياضيّة!!
"الله إما أن يكون أو لا يكون"
ولا يسعنا إلا الرهان
فإذا راهنت على أنه موجود وربحت، فقد ربحت كل شيء، وإذا خسرت فإنك لا تخسر شيئاً.
 أما إذا راهنت أنه غير موجود وربحت، فإنك لا تربح شيئاً، وإذا خسرت فإنك تخسر كل شيئ.
البعض يعتبر بأن رهان باسكال كان أحد الإرهاصات الأولى لفكرة النفعية وجعل الحقيقي هو المفيد.
س1: هل الرهان الأول يعتبر إيماناً؟
س22: هل حقاً أن المراهن الثاني إذا خسر فإنه سوف يخسر كل شيء؟؟

محمد الحجيري
18/1/2016 

الثلاثاء، 17 يناير 2017

السقف الوهمي

رسموا فوقه سقفاً فانحنى
ولما وقف لم يجد سقفاً
ثم صار يقف وينحني 
 حين يشاء.

15/1/2017 

الحقيقة الجمعية وتبرير الأفراد. محمد الحجيري.



الحقيقة الجمعيّة وتبرير الأفراد
أن نعشق الحقيقة ونبحث عنها ونتبنّاها حتى لو كانت مخالفة لعقيدتنا.. هذا أمرٌ كبير وطلبٌ صعب ولا يحسن القيام به إلا الكبار..
 نحن اليوم على العموم لسنا بحاجة للبحث عن الحقيقة، فـ"الحقيقة" تمتلكها الجماعات.. هي جاهزة وبديهيّة، وما يتمايز به الأفراد هو طرائقهم في توضيح وتبرير هذه ال"حقيقة". هذا هو الواقع، وهذه مشكلة. لأن الجماعات في ظنّي لا يحكمها العقل بل تحكمها المصلحة الجمعيّة والعصبيّات (التي تنمو وتوحّد إذا كانت في مواجهة "الآخر") وتحكمُها أشياءُ أخرى..
 فإذا كان الأفراد "يرِثون" هذه الحقائق عن جماعتهم لا تعود عقولهم وسائل للبحث بل أدواتٍ للتبرير والسجال العقيم.. لا يعود العقل سيّداً بل عبدٌ يشارك في موكب العصبيّات من خلال تبريراته السقيمة.
ومن هو غير ذلك "تعبااااااان"...
ما أحوجنا اليوم إلى وقفة ضمير مستمَدّةٍ من عقلٍ نيّر وسط هذه المشهديّة من العبث المجنون.
 الـ"رجاء" يفيدنا.