قانون السببية بين الغزالي وديفيد هيوم: قراءة مقارنة.
هذا يعيدنا إلى الغزالي في القرن الثاني عشر (توفِِّي عام 11111) في حديثه عن احتراق القطن كلما اقتربت منه النار.
فليس ثمّة ما يثبت بأن النار قد تسببت بإحراق القطن. بل ليست النار هي التي أحرقت القطن. السبب الوحيد هو الله.
كلما وصلت النار إلى القطن، تدخلت الإرادة الإلهية وأحرقت القطن. ويمكن بالتالي أن تصل النارُ إلى القطنِ ولا يحترق القطن.
لا يمكن إثبات امتناع وصول النار إلى القطن دون أن يحترق هذا الأخير.
بالعودة إلى هيوم: لا يمكن إثبات امتناع ثبات الطابة الحمراء بعد اصطدام الطابة البيضاء بها.
لو حللنا الطابة البيضاء، لما وجدنا حركة الطابة الحمراء ضمن ما سنستخلصه من هذا التحليل.
أين التشابه وأين الاختلاف؟
استكمالاً لما قال به هيوم، نجد أنه يبرهن على عدم وجود قانون السببية في الطبيعة، أو بشكل أدق، يحاول أن يثبت بأننا لا يمكن أن نبرهن على وجود هذا القانون كلازمة لظواهر الطبيعة.
هذا أولاً، وثانياً، هو يقول بأن توقعنا لحركة الطابة الحمراء حين ستصطدم بها الطابة البيضاء، ما هو إلا نوع من العادة الذهنية، حصلت لدينا بسبب إطراد حصول هذا التتابع.
إطراد ظواهر الطبيعة، جعلنا نتوقع أن لكل ظاهرةٍ سبباً. فالعقل يولد صفحةً بيضاء، حتى من قانون السببية.
لو تخيلنا افتراضياً أن هذا العقل البشري قد وُجِد في عالم لم تتكرر فيه ظاهرة واحدة مرتين متشابهتين، لما افترض أن لكل ظاهرةٍ سبباً.
لو تخيلنا (على طريقة كوندياك) أن خبرتي الأولى الحسية كانت رؤيتي لجسم يسقط على الأرض ويصدر إثر ذلك صوتٌ ما..
وفي المرة الثانية، تُرِك الجسم ولم يسقط.
وفي الثالثة صدر الصوت دون وجود هذا الجسم.
وفي الرابعة تُرك الجسمُ فتحرك نحو الأعلى.
وفي الخامسة تحرك بشكل منحنٍ..
في المرة السادسة، وحين يُترَك هذا الجسم، فلن يتوقع العقلُ شيئاً..
باختصار، أظن أن هيوم حاول أن ينفي بشكل مطلق السببية كقانون حتمي، على مستوى الفطرة العقلية: ليس ثمّة قانون عقلي فطري بالسببية.
وثانياً على مستوى العالم: ليس ثمة ما يثبت ضرورةً أن نفس الظواهر الأولى سينتج عنها حتماً الظواهر التالية. ما هي إلا ترجيحات لا يمكن البرهان عليها.
ومن النافل هنا القولُ بأن عدم القدرة على البرهان على قانون السببية لا يعني البتة برهاناً على عدم وجودها.
هل يشبه هيوم الغزالي في موقفهما من السببية؟
الغزالي يسلم بشكل مطلق بوجود السببية، لكنه يعيدها إلى سبب أول ووحيد هو: الله.
ويقال بأن ذلك كان لغاية تبرير المعجزات الدينية والخوارق للطبيعة المادية كإمكانية إلقاء إبراهيم في النار دون أن يحترق: لأن من يحرق هو الله وليس النار. ومن هنا جاءت نظريتُه: الحاصل عنده وليس الحاصل به: أي عند حصول الظاهرة الأولى، تتدخل الإرادة الإلهية فتحدث الظاهرة الثانية. الظاهرة الثانية حصلت إذاً عند حصول الأولى وليس بها أو بسببها. لكنه يسلم دون نقاش بوجود السبب: الله.
الأمر مختلفٌ عند هيوم: أولاً، الهم الديني غائبٌ تماماً عنده. وبغياب السبب الأول والوحيد، لا يبقى إلا الترجيح بسبب عاداتٍ ذهنية ناتجة عن اطراد الأحداث ولا يمكن البرهان على حتميتها.
وحتى لو كان الاطراد حتمياً وأكيداً، فهو يختلف عن السببية، التي تبقى فرضية ميتافيزيقية ومسلّمةً غير قابلة للبرهان.
(م. ح)
2017/5/15
2017/5/15
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق