السبت، 25 مارس 2017

قراءة في تعليق رابطة الثانوي إضرابها المفتوح؛ محمد الحجيري.





قراءة في تعليق رابطة الثانوي إضرابها المفتوح بتاريخ 24 آذار 2017
رأي للنقاش:
أما وقد حط قطار حراك الأساتذة الثانويين في محطته الأخيرة يوم أمس الجمعة 24 آذار 2017 بتعليق الإضراب المفتوح لمدة أسبوعين كما أعلن بيان الهيئة الإدارية للرابطة، بعد تصويت للجمعيات العمومية يوميّ الخميس والجمعة 23 و24 آذار، وبعد تصويت سابق في الجمعيات العمومية نهار الأربعاء 22 آذار، أي قبل يوم واحد من إعادة التوصية من جديد بإعادة التصويت على تعليق الإضراب، وهو ما أثار استهجاناً محقاً من الكثير من الأساتذة على هذا الإصرار على تعليق الإضراب. ثم ما تلا ذلك من سجالات بين الأساتذة كأفراد أو كمجموعات، أرى أنه من المفيد إجراء وقفة تقويمية ونقدية لما حصل.
لقد بررت الهيئة الإدارية قرارها بتعليق الإضراب بحسب ما جاء في بيانها بالقول بأن تحركاتها قد "تُوّجت بلقاء دولة الرئيس سعد الحريري، بحضور معالي وزير التربية الأستاذ مروان حمادة، حيث عرضت الرابطة مطالبها وامتدت الجلسة لأكثر من ثلاث ساعات، أجرى خلالها دولة الرئيس الحريري مشاورات مع دولة الرئيس نبيه بري ومعالي وزير المال الأستاذ علي حسن خليل، والتي إن دلّت على شيء فهو حرصه كمسؤول على رفع المظلوميّة عن أساتذة التعليم الثانوي، وأدّت إلى تبنّي الرئيس الحريري ما يلي:
رفع عدد الدرجات من ثلاث إلى خمس درجات للثانوي.
تحسين أرقام السلسلة وتعديل قيمة الدرجة.
إلغاء المادة 37 نظرًا للمخاطر الناجمة عنها في حال إقرارها.
إشراك الرابطة في كل الورش التربويّة.
 
تبنّي معالي وزير التربية مشروع قانون الموقع الوظيفي وعرضه على مجلس الوزراء والدفاع عنه حتى النهاية، وقد صرّح معاليه بذلك أمام وسائل الإعلام."
ثم يستطرد البيان بالقول بأن الرئيس بري قد "تفهّم .. المطالب وأكّد ردًا على سؤال حول ما إذا ستكون هناك جلسة نيابية لإقرار السلسلة بالقول: "إن السلسلة هي أولوية وإذا كان قانون الانتخاب انتحار فإن السلسلة هي إفقار"، وسوف يتم تحديد جلسة خلال أسابيع ثلاثة لإقرار السلسلة، ووعد دولته بالعمل على رفع عدد الدرجات إلى ست وإعادة دراسة الضرائب المفروضة بحيث لا تطال أصحاب الدخل المحدود والفقراء، كما وعد بإعادة دراسة أرقام المتقاعدين والعمل على إنصافهم." (انتهى الاقتباس)
هل في هذه الوعود من جديد؟
وهل هي كافية للاطمئنان إلى ما ستؤول إليه الأمور، وبالتالي تشكل ضمانةً كافيةً لتعليق الإضراب؟
وهل هي كل ما يطالب به الأساتذة؟
وأسئلة كثيرة غيرها يمكن أن تُطرح في هذا السياق..
أظن أن هناك جديد في هذه الوعود:
ــ منها زيادة (أو الوعد بزيادة) ثلاث درجات عما كان مطروح سابقاً.
ــ الوعد بإلغاء المادة 37 التي تشكل تهديداً للوظيفة العامة وتجعلها رهينةً بمزاجية المسؤول المباشر..
ــ تبني وزير التربية قانون الموقع الوظيفي والوعد بتقديم مشروع قانون بذلك إلى المجلس النيابي.
ــ العمل على إنصاف المتقاعدين (وإن كان ذلك قد ورد بعبارة عامة دون تحديد كيف سيتم إنصافهم).
ــ تعليق الإضراب لمدة زمنية محددة مدتها أسبوعان.
ــ وأخيراً بإعادة درس مصدر التمويل بشكل لا يمس الطبقات الفقيرة.
هل هذا كل ما يطالب به الأساتذة؟ وهل من ضمانات لتحقيق هذه الوعود؟
بالطبع لا.
وإذا كانت هذه الوعود لم تتحقق إلا بفضل ضغوطات الأساتذة ووحدتهم، ونزولهم بشكل غير مسبوق إلى الساحات، فإن تحقيقها لن يتم (بحسب ظني) إلا باستخدام نفس وسائل الضغط. ونحن ما زلنا بحاجة إلى وحدتنا من أجل ذلك.
وإذا كان الحصول على الدرجات الست مرهون بجلسة المجلس النيابي وإقرار السلسلة، فإن مشروع قانون الحفاظ على موقع الأستاذ الثانوي يشكل ربط النزاع لاستئناف تحركات لاحقة تعيد إلى الأساتذة ما خسروه من فارق بينهم وبين الإداريين، أو من حفظ للفارق بينهم وبين الجامعيين.
السؤال: ما هي الخيارات التي كانت متاحةً أمام الأساتذة؟ أو ما هي الاحتمالات؟
إني أظن بأن الهيئة الإدارية للرابطة لم تكن جادة منذ البداية في الذهاب في الإضراب المفتوح إلى النهاية.
من يستعيد تصريحات المسؤولين في الهيئة الإدارية يمكن أن يستنتج ذلك، فمن يتخذ قراراً حقيقياً بالذهاب بالإضراب المفتوح حتى النهاية، ليس بحاجة أن يطل علينا كل يوم ليعيد التأكيد بأن اليوم التالي أيضاً هو إضراب.. وكأنهم كانوا يحسبون الأيام يوماً بيوم.
وما المواقف عالية السقف التي كانت تصدر عن بعض مسؤولي الرابطة في اجتماعات الفروع (وهذا ما عاينته) إلا، إما لعدم معرفتهم بالقرار الحقيقي للرابطة، أو لأنهم كانوا يريدون حشداً وموقفاً موحداً للأساتذة حتى  اجتماع الهيئة العامة للمجلس النيابي الذي كان مقرراً يومي الأربعاء والخميس 22 و23 آذار يشكل عامل ضغط على النواب، ثم بعد ذلك سيذهبون إلى تعليق الإضراب، بعد أن يكونوا قد حققوا ما يمكن تحقيقه في هذه المرحلة، مع ربط للنزاع في ما يتعلق ببقية المطالب إلى مرحلة لاحقة.
ويبدو أن الأمور قد ذهبت أبعد مما كان يخطَّط لها، وبالتحديد من قبل بعض المرجعيات السياسية، حيث ذهب اندفاع الأساتذة في الدفاع عن حقوقهم أبعد مما كان يخطط لها، حيث يبدو أن هذه المرجعيات كانت تريد توظيف حراك الأساتذة الثانويين في مساوماتهم السياسية.. ولما رأت أن الأمور بدأت تفلت من أيديهم كان إقفال الطرقات بتاريخ الخامس عشر من آذار على المتظاهرين منعاً من وصولهم إلى ساحة رياض الصلح للانضمام إلى زملائهم المعتصمين تحت المطر، ولتذكير الجميع بأن هذه المرجعية هي من يرسم السقف لحراك الأساتذة..
بعد هذا العرض يمكن الوصول إلى الاستنتاج التالي:
لقد كان حراك الأساتذة أمام احتمالين عشية الثاني والعشرين من آذار، وبعد تصويت الجمعيات العمومية لصالح الاستمرار بالإضراب المفتوح:
ــ إما الاستمرار بالإضراب.
ــ أو تعليق الإضراب.
وفي كلتا الحالتين كان هناك اختلاف في وجهات النظر.
وبعد أن تم ما تم، يمكن أن نناقش هذين الاحتمالين:
أنا أظن أن استمرار الإضراب، التزاماً بما صدر عن الجمعيات العمومية، كان سيعني أن الإضراب سيستمر في وقت تعارضه قيادة الرابطة، وبالتالي فإن خروقاتٍ كبيرةً للإضراب كانت ستحصل.. ربما أكثر من نصف الثانويات.
ماذا كان سيحصل في الثانويات الملتزمة بالإضراب؟
على الأرجح أن الكثير منها كان سيلتحق بطريقة عشوائية بفك الإضراب. وكان سيسود الهرج والمرج والفوضى.. وتقاذف الاتهامات وتحميل المسؤوليات..
كما أن تعليق الإضراب قد أحدث شرخاً، هو كان موجوداً في الأصل بعد انتخابات الرابطة..
أنا من حيث المبدأ وبدون أدنى تردد منحازٌ إلى مجموعة الأساتذة المعترضين على أداء الرابطة وعلى ولاء مسؤولي الهيئة الإدارية لمرجعياتهم السياسية المشاركة في السلطة: في المجلس وفي الحكومة.
لكن أيّ الخيارين كان الأفضل في ظل هذه المعطيات؟
طبعاً هناك معطيات أخرى وأسئلة أخرى..
هل كان يمكن لهذه الرابطة الاستمرار في التصعيد حتى النهاية للحصول على كافة المطالب؟
إذا كان الجوب بالسلب، فهل الأفضل تعليق الإضراب الآن أم بعد فترة يصبح فيها إكمال العام الدراسي مستحيلاً؟
كيف كانت ستكون علاقة الأساتذة بالأهالي؟ وغيرها من الأسئلة.
أخيراً، أريد القول بأن أمامنا محطات طويلة ما زالت تنتظرنا، ومن المناسب أن يكون الجسم التعليمي متماسكاً حولها.. فلنبحث عن المشتركات التي تجمع الأساتذة استعداداً لذلك.
أما الزملاء الذين يعتبرون أن ما حصل كان نكسةً، فإني لا أرى رأيهم.
الأمور ما زالت بخير.
إن من يعرف تركيبة البلد، وتركيبة الرابطة، وولاءات الجميع.. لا يجب أن يصاب بالإحباط. فإن ما حصل يبدو معقولاً جداً في هذه المرحلة وفي ظل كل هذه المعطيات.
هذه وجهة نظر للنقاش مع الزملاء الأصدقاء الذين أكن لهم كل المودة والتقدير، ومستعد للاعتراف بأي استنتاج غير صحيح، وإن حصل ذلك فليس إلا لخطإٍ في التقدير ليس إلا.
فأنا لست مسؤولاً في الرابطة، وكنت معارضاً لها في الانتخابات.. ما أنا إلا أحد المندوبين  عن الأساتذة في ثانويتي، وفي اليوم الذي أجد أن ما يقرره من انتدبني لا يتفق مع قناعاتي سأترك هذه الوكالة لغيري.

محمد الحجيري

25/3/2017 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق