الخميس، 19 يناير 2017

ديكارت في بحثه عن اليقين الأول؛ محمد الحجيري.



ديكارت في بحثه عن يقين أوّل.
"وهل كان أرخميدس يطلب غير نقطة ثابتة، لا تتحرك، لينقل الكرة الأرضية من مكانها إلى مكان آخر، كذلك أنا فإنّه يحق لي أن أعلل النفس، بأكثر الآمال، إذا أسعفني الحظ، وعثرت على شيء ثابت لا شك فيه."
 (ديكارت، تأملات ميتافيزيقيّة)
قراءة أو وجهة نظر:
 من المعروف بأن ديكارت كان من كبار الرياضيين في القرن السابع عشر. وساءه ما رآه من عودة كل فيلسوف إلى تأسيس الفلسفة من جديد بنقضه لمسلمات الفلاسفة السابقين المنتمين إلى مدارس مختلفة.
 بينما هو يرى بأن العلوم، وتحديداً الرياضيات تنطلق من بديهيات واضحة، ثم تقوم باستخلاص استنتاجات منطقية انطلاقاً من تلك البديهيات، لا يمكن نقضها، طالما أن نقطة الانطلاق بديهية وواضحة، وطالما أن الطريقة البرهانية سليمة.
 إذاً هو في محاولته للوصول إلى البديهة الأولى غير القابلة للشك، ثم البناء عليها بمنطق صحيح، فكأنه يحاول أن يجعل من الفلسفة علماً مثل علم الرياضيات. وهو بذلك سابق على محاولة هوسرل الذي سعى طوال حياته لجعل الفلسفة علماً..
 وهذه البديهية التي سيبني عليها بناءه الفلسفي، يبدو أنه يحلو لديكارت بتشبيهها بالنقطة الثابتة التي يبحث عنها أرخميدس لينقل الأرض من مكانها: إنه الثورة أو الانقلاب الكبير الذي ربما ظن ديكارت أنه نجح في إحداثه حيث فشل أرخميدس في ذلك.
لكن هل استطاع ديكارت أن "ينقل الأرض من مكانها"؟
 أظن أن ديكارت لم يستطع إلا أن يجد النقطة الثابتة، وأن كل ما بناه على هذه البديهية قابل لنقاش فلسفي طويل: برهانه على وجود الله، ثم برهانه على وجود المادة.
 لقد بقي ديكارت داخل دائرته المقفلة التي اعتبر أنه يستطيع أن يبرهن على وجودها، حتى لو كان العالم بكامله غيرَ موجود: إنها دائرة الكوجيتو. الفكر الذاتي الذي يبرهن على وجوده حتى لو كان وحيداً ولا وجود يقيني لأي شيء آخر.. وهي الفكرة التي يبدو أنها لم تقنع هوسرل الذي اعتبر بأن هذه الذات المكتفية بذاتها، أو هذا الفكر المكتفي بذاته في دائرة الأناوحديّة، لا يمكن لها أن تكون كذلك، أي مكتفية بذاتها. فكل وعي هو وعي بشيءٍ ما.. ولو أن هذه الأنا المفكرة لو كانت وحيدة في العالم، أو لو كانت هي وحدها العالم، لكان من المستحيل عليها أن تفكر..

محمدالحجيري
18/1/2017 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق