الثلاثاء، 16 مايو 2017



قانون السببية بين الغزالي وديفيد هيوم: قراءة مقارنة.

 كان هيوم في القرن الثامن عشر أول من شكك في قانون السببية في العصر الحديث: إذا تحركت الكرةُ الحمراء حين تصطدم بها الطابة البيضاء، فليس ثمّة ما يثبت بأن الطابة البيضاء كانت سبب حركة الطابة الحمراء.
هذا يعيدنا إلى الغزالي في القرن الثاني عشر (توفِِّي عام 11111) في حديثه عن احتراق القطن كلما اقتربت منه النار.
فليس ثمّة ما يثبت بأن النار قد تسببت بإحراق القطن. بل ليست النار هي التي أحرقت القطن. السبب الوحيد هو الله.
كلما وصلت النار إلى القطن، تدخلت الإرادة الإلهية وأحرقت القطن. ويمكن بالتالي أن تصل النارُ إلى القطنِ ولا يحترق القطن.
لا يمكن إثبات امتناع وصول النار إلى القطن دون أن يحترق هذا الأخير.
بالعودة إلى هيوم: لا يمكن إثبات امتناع ثبات الطابة الحمراء بعد اصطدام الطابة البيضاء بها.
لو حللنا الطابة البيضاء، لما وجدنا حركة الطابة الحمراء ضمن ما سنستخلصه من هذا التحليل.
أين التشابه وأين الاختلاف؟
استكمالاً لما قال به هيوم، نجد أنه يبرهن على عدم وجود قانون السببية في الطبيعة، أو بشكل أدق، يحاول أن يثبت بأننا لا يمكن أن نبرهن على وجود هذا القانون كلازمة لظواهر الطبيعة.
هذا أولاً، وثانياً، هو يقول بأن توقعنا لحركة الطابة الحمراء حين ستصطدم بها الطابة البيضاء، ما هو إلا نوع من العادة الذهنية، حصلت لدينا بسبب إطراد حصول هذا التتابع.
إطراد ظواهر الطبيعة، جعلنا نتوقع أن لكل ظاهرةٍ سبباً. فالعقل يولد صفحةً بيضاء، حتى من قانون السببية.
لو تخيلنا افتراضياً أن هذا العقل البشري قد وُجِد في عالم لم تتكرر فيه ظاهرة واحدة مرتين متشابهتين، لما افترض أن لكل ظاهرةٍ سبباً.
لو تخيلنا (على طريقة كوندياك) أن خبرتي الأولى الحسية كانت رؤيتي لجسم يسقط على الأرض ويصدر إثر ذلك صوتٌ ما..
وفي المرة الثانية، تُرِك الجسم ولم يسقط.
وفي الثالثة صدر الصوت دون وجود هذا الجسم.
وفي الرابعة تُرك الجسمُ فتحرك نحو الأعلى.
وفي الخامسة تحرك بشكل منحنٍ..
في المرة السادسة، وحين يُترَك هذا الجسم، فلن يتوقع العقلُ شيئاً..
 باختصار، أظن أن هيوم حاول أن ينفي بشكل مطلق السببية كقانون حتمي، على مستوى الفطرة العقلية: ليس ثمّة قانون عقلي فطري بالسببية.
 وثانياً على مستوى العالم: ليس ثمة ما يثبت ضرورةً أن نفس الظواهر الأولى سينتج عنها حتماً الظواهر التالية. ما هي إلا ترجيحات لا يمكن البرهان عليها.
 ومن النافل هنا القولُ بأن عدم القدرة على البرهان على قانون السببية لا يعني البتة برهاناً على عدم وجودها.
هل يشبه هيوم الغزالي في موقفهما من السببية؟
الغزالي يسلم بشكل مطلق بوجود السببية، لكنه يعيدها إلى سبب أول ووحيد هو: الله.
 ويقال بأن ذلك كان لغاية تبرير المعجزات الدينية والخوارق للطبيعة المادية كإمكانية إلقاء إبراهيم في النار دون أن يحترق: لأن من يحرق هو الله وليس النار. ومن هنا جاءت نظريتُه: الحاصل عنده وليس الحاصل به: أي عند حصول الظاهرة الأولى، تتدخل الإرادة الإلهية فتحدث الظاهرة الثانية. الظاهرة الثانية حصلت إذاً عند حصول الأولى وليس بها أو بسببها. لكنه يسلم دون نقاش بوجود السبب: الله.
 الأمر مختلفٌ عند هيوم: أولاً، الهم الديني غائبٌ تماماً عنده. وبغياب السبب الأول والوحيد، لا يبقى إلا الترجيح بسبب عاداتٍ ذهنية ناتجة عن اطراد الأحداث ولا يمكن البرهان على حتميتها.
 وحتى لو كان الاطراد حتمياً وأكيداً، فهو يختلف عن السببية، التي تبقى فرضية ميتافيزيقية ومسلّمةً غير قابلة للبرهان.

(م. ح)
 2017/5/15


لا وقت لكل هذا..


قال قائلهم أغبِطُ اللهَ الذي لا يموت
وقال ثانيهِم، أُشفِقُ على إله لا يفنى ليرتاحَ من معاينة هموم الناس.
 أما الثالث فكان يشعر بالغيرةِ من إله يبدعُ بأصابعه كلَّ هذا الجمال من صلصالٍ طوعَ يديه، ثم يسبّح ذاتَه وما صنَعَتْ.


أما آخرهُم فكان يراقب نفسه ويقول:

 تُمضون أعمارَكُم تراقبون الإله ويراقبُكُم.
 الحقَّ أقول لكم: لا وقتَ لديكم لكل هذا..

(محمد الحجيري)
16 أيار 2016 


أصل الكون بين أرسطو والنص القرآني:
 هل هناك خلقٌ من عدم؟

من المعروف أن السبب الأول عند أرسطو، لم يخلق الكون.
 فالمادّة قديمة غير مخلوقة.
أما في الإسلام (وربما لدى غالبية الديانات)، فإن الإله خالقٌ للكون من عدم.
على الأقل هذا ما أظن أنه الشائع لدى غالبية الناس.
لكن خلال تتبعي لاستخدام كلمة الخلق في النصّ القرآني، تفاجأت أنني لم أجد ما يؤكّد هذه الفكرة.
 ولا أدّعي أني قد أحطت إحاطةً شاملة بالموضوع، لذلك آمل من أصحاب الرأي العارفين، المشاركة بالإضاءة على الموضوع لنستفيد من رأيهم ومعرفتهم.
بعض الآيات يتحدّث عن الخلق بشكلٍ محايد، أقصد أنها لا تتحدث عن الخلق من العدم، كما أنها لا تتحدث عن ذلك كانتقالٍ من شكلٍ من أشكال الوجود إلى شكلٍ جديد.
ومن الأمثلة عن هذه الآيات:
(والذي خلق الأزواج كُلها... ) (سورة الزخرف: 12).
(خلق السماوات والأرض بالحق) (سورة الأنعام: 73).
(سبح اسم ربك الأعلى، الذي خلق فسوّى) (سورة الأعلى: 2).
 وفي هذه الآيات لا توجد إشارة إذا كان الخلق قد تمّ من مادّة سابقة أم أن الخلق قد تمّ من عدم..
أما القسم الآخر من الآيات، فإنه يتحدّث عن الخلق، ليس كإيجاد من العدم، بل كانتقال من شكلٍ من أشكال الوجود إلى شكلٍ جديد. (لست متأكداً إذا كان الشكل الجديد هو شكل مسبوقٌ أم جديد وغير مسبوق).
من هذه الآيات:
(... كان علقة فخلق فسوى) (سورة القيامة: 38).
(أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) (سورة الكهف:37).
 (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون، فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) (سورة الحجر: 28-29).
(الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) (سورة السجدة: 7-9).
(إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) (سورة ص: 72).
(ثم كان علقة فخلق فسوّى، فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى) (سورة القيامة: 39).
(قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سوّاك رجلاً) (سورة الكهف: 37).
(خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) (سورة النحل: 4).
(خلق كل دابة من ماء) (سورة النور: 45).
(وهو الذي خلق من الماء بشراً) (سورة الفرقان: 54).
(خلق الإنسان من نطفة... ) (سورة النحل: 4).
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً... ) (سورة الروم: 211).
وكل هذه الآيات تدلّ على أن الخلق قد تمّ انطلاقاً من مادّة سابقة كانت موجودة قبلاً: التراب صار نطفةً. الصلصال صار بشراً. الطين صار إنساناً. العلقةُ صارت ذكراً وأنثى. الماء صار دابّةً...
ـ ويرى غالب حسن الشابندر بأن "كل الآيات التي تتحدث عن خلق السماوات والأرض إنما تشير إلى ابتداعها حيث لم تكن موجودة... وهنا ملاحظة دقيقة..
 إن هذا لا يعني أن السماوات والأرض مخلوقة من عدم، بل هي مسبوقة بعدم، وفارق كبير بين المعنيين."

(محمد الحجيري)
16 أيار 2015